رحل أحمد عدوية، أحد أبرز نجوم الغناء الشعبي المصري، تاركا إرثًا فنيًا لا يُنسى امتد لعقود، ارتبط اسمه بجيل كامل من عشاق الأغنية الشعبية المصرية، شكل برحيله خسارة كبيرة للساحة الفنية، ولم يكن مجرد مطرب شعبي، بل أيقونة استطاعت المزج بين التراث الشعبي والصوت الحديث، مما أكسبه مكانة فريدة في قلوب المصريين والعرب.
وُلد عدوية في 26 يونيو 1945 في محافظة المنيا لأسرة كبيرة، ورحل عن عالمنا الأحد الموافق 29 ديسمبر 2024، عن عمر يناهز الـ 79 عامًا، تاركا خلفه إرثًا فنيًا يخلد ذكراه للأجيال القادمة، وشكل رحيلة حالة حزن كبيرة بالوسط الفني وبين جمهوره في مصر والوطن العربي.
بداية مشوار أحمد عدوية الفني
بدأ عدوية مشواره الفني في السبعينيات، وبرزت موهبته الفنية مبكرًا، متأثرًا برواة السير الشعبية وأجواء القرية التي شكلت وجدان الكثيرين من أبناء جيله، وشق طريقه بداية من الغناء في الأفراح والمناسبات الشعبية إلى شارع محمد علي، حيث كان المركز الفني للموسيقى الشعبية في القاهرة، وانطلق منه إلى النجومية.
استطاع عدوية منذ بداياته بصوته المميز وأسلوبه الفريد أن يخترق قلوب الجماهير المصرية والعربية، وتمكن بفضل أدائه المميز أن يلفت الأنظار ويؤسس قاعدة جماهيرية واسعة، وبأسلوبه المتجدد جعل الأغنية الشعبية مقبولة ومحببة ليس فقط للطبقات الشعبية، بل أيضًا للنخب الفنية.
تحول في مسيرة عدوية الفنية
في عام 1973، حققت أغنية “السح الدح إمبو” نجاحًا مدويًا، لتعلن عن ولادة نجم شعبي غير تقليدي، ورغم الانتقادات التي طالت الأسلوب الجديد الذي تبناه، واصل عدوية مشواره بأغانٍ خالدة مثل “زحمة يا دنيا زحمة” و”بنت السلطان”، مقدماً فنًا مميزًا دمج بين التراث الشعبي وروح العصر.
تعاون عدوية مع عمالقة التلحين مثل بليغ حمدي وعمار الشريعي، واستفاد من كلمات كبار الشعراء كـ عبد الرحمن الأبنودي.
كان لعدوية حضور بارز في السينما أيضًا، حيث ظهر في أفلام مثل “حسن بيه الغلبان”، مضيفًا بُعدًا جديدًا لشعبيته، نظرا للسحر الخاص بالسينما وجمهورها، حيث جمع بين التمثيل والغناء في أعماله، مما زاد من تأثيره وشعبيته بين شرائح متنوعة من الجمهور.
حادثة مأساوي يبعده عن الساحة الفنية
في منتصف الثمانينيات، تعرض لحادثة أثرت حياته الشخصية ومسيرته الفنية، ففي عام 1985، تعرض أحمد عدوية لحادثة اعتداء غامضة أثارت جدلًا كبيرًا، حيث تعرض لاعتداء جسدي شديد في ظروف غامضة، مما تسبب في تدهور حالته الصحية والنفسية بشكل كبير.

تعرض لإصابات خطيرة أثرت على أعصابه، مما أدى إلى معاناته من ضعف في الحركة وبعض وظائف جسده، كما أثر الحادث بشكل واضح على صوته وقدرته على الغناء بنفس الأداء القوي الذي عرف به، مما أجبره على الابتعاد لفترة طويلة عن الساحة الفنية.
أثارت الحادثة الكثير من التكهنات والشائعات، حيث قيل إن الاعتداء كان نتيجة خلافات شخصية أو مشكلات مع بعض الشخصيات النافذة في تلك الفترة، ولم تُكشف حتى اليوم التفاصيل الكاملة أو الحقيقية للواقعة، وظلت ملابساتها غامضة بسبب تحفظات عدوية وعائلته عن الحديث عنها علنًا.
وبعد الحادث، ابتعد عدوية لفترة طويلة عن الساحة الفنية، حيث انشغل بالتعافي الجسدي والنفسي، ورغم تأثر صوته وصحته، أصر على العودة تدريجيًا إلى الساحة الفنية، محافظًا على مكانته كأحد رموز الأغنية الشعبية في مصر.
كانت عودته تدريجية، حيث شارك في بعض الأغاني والأعمال الفنية التي أكدت أن إرثه الفني لا يزال حاضرًا، حيث عاد بصوته المميز وأعمال جديدة أبرزها أغنية “الناس الرايقة” مع رامي عياش، التي أعادت تسليط الضوء عليه في الألفية الجديدة، كما شارك ابنه محمد عدوية في أغنيات كانت بمثابة رسالة استمرار للمدرسة التي أسسها.
وفي لقاءات إعلامية نادرة، تحدث عدوية عن الحادث بإيجاز، مشيرًا إلى أن الحادث كان مؤلمًا، لكنه حاول تجاوزه بإيمان وصبر، لكنه لم يدخل في التفاصيل، مفضلًا التركيز على الفن والإنجازات بدلًا من لحظات الألم.
اقرأ أيضًا.. شيرين عبدالوهاب في 2024.. بين الأزمات والعودة من بعيد
وفاة زوجة عدوية
فقدان زوجته في مايو 2024 كان من أصعب المحطات التي مر بها عدوية، حيث غاب عن وداعها بسبب الصدمة النفسية، بعد سنوات طويلة من المساندة والدعم المتبادل بينهما.
توفيت زوجة عدوية بعد صراع مع المرض، وكانت داعمة كبيرة لعدوية خلال مسيرته الفنية وحياته الشخصية، وخصوصًا بعد الحادث الشهير الذي تعرض له في الثمانينيات.
وسبب رحيلها صدمة كبيرة له لدرجة أنه لم يتمكن من حضور جنازتها بسبب حالته النفسية السيئة، وتولى نجلهما، الفنان محمد عدوية، تنظيم مراسم الجنازة والعزاء، رغم الحزن الكبير الذي عاشه بعد رحيلها، استمر أحمد عدوية في الحديث عنها بكل حب واحترام في اللقاءات الإعلامية النادرة التي أجراها بعد وفاتها، مؤكدًا على دورها الكبير في حياته.
أهم أعمال أحمد عدوية
أعمال خالدة: قدم مجموعة من الأغاني التي أصبحت أيقونات للأغنية الشعبية مثل “بنت السلطان”، “سلامتها أم حسن”، و”يا بنت المصاريا”، أغانيه عبّرت عن وجدان الشارع المصري وكانت مزيجًا من البساطة والعمق.
أبرز أغاني وأفلام أحمد عدوية
(السح الدح إمبو – بنت السلطان – زحمة يا دنيا زحمة – سلامتها أم حسن – كله على كله – يا بنت المصاريا – حبة فوق وحبة تحت – الناس الرايقة)، ولا تزال تلك الأغاني لها شعبية كبيرة حتى وقتنا هذا.
كما شارك أحمد عدوية في عدد من الأفلام التي عززت شعبيته، حيث قدم أغانيه في سياق درامي أو كوميدي، وشارك في أفلام (البنات عايزة إيه – حسن بيه الغلبان – المتسول – خلي بالك من زوزو).
إرث عدوية عابر للزمن
أغانيه وحفلاته لا تزال تُذكر كجزء أصيل من تاريخ الفن الشعبي في مصر، واستمرت موسيقاه في التأثير على الأجيال الجديدة، وأصبح مرجعًا لكل من يسعى لتقديم الأغنية الشعبية الأصيلة، وتمثل وفاته خسارة كبيرة للفن المصري، إلا أن إرثه الفني سيظل خالدًا في ذاكرة محبيه.