تعيش محافظة السويداء في جنوب سوريا واحدة من أعنف الأزمات منذ اندلاع الحرب السورية، حيث أسفرت الاشتباكات الدامية بين الفصائل المحلية ذات الغالبية الدرزية والعشائر العربية والبدو، إلى جانب غارات إسرائيلية على دمشق والسويداء، عن حصيلة ثقيلة تجاوزت 600 قتيل ونزوح عشرات الآلاف، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية.
الأحداث الأخيرة تكشف عن تشابك أزمات محلية وإقليمية، تجعل استقرار الجنوب السوري مهددًا بشكل غير مسبوق.

حصيلة دامية ونزوح واسع من السويداء
بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ارتفع عدد القتلى إلى 638 شخصًا، بينهم:
300 من أبناء الطائفة الدرزية، بينهم 154 مدنيًا.
257 عنصرًا من القوات الحكومية السورية.
21 من أبناء العشائر البدوية.
15 عنصرًا من القوات الحكومية قضوا في غارات إسرائيلية.
صحفي واحد خلال تغطيته للأحداث.
كما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة نزوح 79,339 شخصًا منذ 13 يوليو، بينهم أكثر من 20 ألف نازح في يوم واحد، مع انهيار الخدمات الأساسية، وانقطاع الكهرباء والمياه، ونقص حاد في الوقود شلّ حركة النقل وأعاق عمليات الإجلاء الطارئة.
التوترات الإقليمية والغارات الإسرائيلية
أفاد مسؤولون إسرائيليون بأن الجيش السوري نسّق مع إسرائيل قبل دخوله السويداء، مع تعهد بعدم إدخال أسلحة ثقيلة، لكن “خالف التفاهمات”، ما دفع تل أبيب للتحذير من أي حشد عسكري قرب حدودها الجنوبية
لاحقًا، شنت إسرائيل غارات عنيفة على دمشق والسويداء، استهدفت مجمع وزارة الدفاع والقصر الرئاسي ومواقع عسكرية عدة، في رسالة واضحة بأنها لن تسمح بتمركز قوات موالية لإيران أو الجيش السوري قرب الجولان.
اتفاق هش لوقف النار
توصل وجهاء السويداء والحكومة السورية إلى اتفاق يقضي بـ وقف العمليات العسكرية، انسحاب الجيش، وإنهاء مظاهر التسلح، وفتح تحقيق في الانتهاكات، لكن الاتفاق لم يصمد طويلًا، إذ تجددت المواجهات بين الدروز والعشائر العربية والبدو، لتبقى المحافظة على صفيح ساخن.
اقرأ أيضًا:
الرئاسة السورية تعلن سحب القوات من السويداء: “حرصًا على التهدئة ومحاسبة المتورطين”
خلفيات وأبعاد الصراع
غياب الدولة وتنامي الفصائلية
تراجع حضور الدولة في السويداء سمح للفصائل المحلية والعشائر بتسليح نفسها، ما أدى إلى تصاعد صراعات النفوذ على الطرق والمناطق الحدودية.
إسرائيل وهاجس الحدود
الغارات الإسرائيلية تعكس سياسة تل أبيب الثابتة بمنع التموضع العسكري السوري أو الإيراني قرب حدودها، مع بوادر وجود تفاهمات ميدانية غير معلنة مع دمشق.
روسيا وإيران في الخلفية
موسكو تسعى لاحتواء الأزمة حفاظًا على نفوذها في الجنوب، بينما تحاول إيران تعزيز وجودها عبر دعم فصائل محلية، ما يصعّد التوتر مع إسرائيل ومع المكونات المحلية.
تداعيات محتملة
استمرار الأزمة قد يحوّل السويداء إلى بؤرة صراع مزمن شبيهة بدرعا، ويدفع نحو تدخلات إقليمية ودولية أوسع، مع احتمالات إعادة رسم قواعد الاشتباك في الجنوب السوري.
بين نزيف الدم ونزوح عشرات الآلاف، تقف السويداء على أعتاب كارثة إنسانية وأمنية تهدد استقرار الجنوب السوري برمته.
ومع استمرار المواجهات وتزايد التدخلات الإقليمية، يظل الهدوء في المحافظة مرهونًا بـ تسويات سياسية وأمنية عاجلة قد تحدد مستقبل المنطقة في الأشهر المقبلة.