يتوجّه اهتمام المجتمع الدولي نحو ولاية ألاسكا الأمريكية، الجمعة المقبل، حيث تستضيف قمة مرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لمناقشة تطورات الحرب في أوكرانيا، في لقاء هو الأول من نوعه منذ فترة طويلة، ويأتي في توقيت بالغ الحساسية دوليًا.
ولكن، لماذا اختيرت ألاسكا تحديدًا لعقد هذه القمة؟ سؤال يطرح نفسه بقوة، بالنظر إلى التاريخ الطويل والمعقد الذي يربط هذه الولاية بالجانب الروسي، والذي قد يحمل دلالات تتجاوز الجغرافيا والسياسة.

ألاسكا.. من مستوطنة روسية إلى أرض أمريكية
تقع ألاسكا في أقصى شمال غرب أمريكا الشمالية، ولا يفصلها عن الأراضي الروسية سوى مضيق بيرنج، بعرض لا يتجاوز أربعة كيلومترات في بعض مناطقه، وقد كانت هذه الأرض في الأصل تحت السيادة الروسية، حتى عام 1867، عندما باعتها روسيا للإدارة الأمريكية مقابل 7.2 مليون دولار، في صفقة أثارت جدلًا واسعًا آنذاك وعُرفت باسم “حماقة سيوارد”.
قبل ذلك، كانت ألاسكا جزءًا من النشاط الاستعماري الروسي منذ عام 1799، حين أسس القيصر بول الأول “الشركة الروسية الأمريكية” لاستغلال الموارد الطبيعية، خصوصًا تجارة الفراء، مما أدى إلى صدامات متكررة مع السكان الأصليين.
إرث روسي لا يزال حيًا
رغم مرور أكثر من 150 عامًا على انتقال السيادة إلى الولايات المتحدة، لا تزال ألاسكا تحتفظ ببصمات روسية واضحة، وتضم الولاية أكثر من 35 كنيسة أرثوذكسية على الطراز الروسي، أبرزها تلك ذات القباب البصلية المميزة، فيما تحتضن جزيرة كودياك معهدًا لاهوتيًا يُعد الأقدم في أمريكا الشمالية.
في بعض المجتمعات الأرثوذكسية، مثل “المؤمنين القدامى” الذين استقروا في الولاية خلال الستينيات، لا تزال اللغة الروسية تُدرَّس لحوالي 100 طالب، رغم تراجع استخدامها الواسع عبر العقود.
علاقات متقلبة وجغرافيا حساسة
الموقع الجغرافي الحساس لألاسكا جعلها على الدوام نقطة تماس عسكري بين روسيا والولايات المتحدة، خصوصًا من ناحية المجال الجوي، وتُعلن القوات الجوية الأمريكية بشكل متكرر عن اعتراض طائرات روسية تقترب من أجواء الولاية، وفي أكتوبر 2022، لجأ مواطنان روسيان إلى إحدى جزر ألاسكا هربًا من التعبئة العسكرية الروسية لحرب أوكرانيا.
وكانت حاكمة الولاية السابقة، سارة بالين، قد أثارت الجدل في عام 2008 بقولها إن “روسيا جارتنا، ويمكن رؤيتها من جزيرة ألاسكية”، في إشارة إلى قرب المسافة بين جزيرتي “ليتل دايوميد” الأمريكية و”بيج دايوميد” الروسية، اللتين لا يفصلهما سوى مضيق بيرنج بعرض نحو 4 كيلومترات.
اقرأ أيضًا
بريطانيا تتنازل عن جزر تشاجوس لموريشيوس بتكلفة تصل إلى 35 مليار جنيه إسترليني.. وخلاف سياسي حاد حول الأرقام
قمة في مهب التاريخ
رغم توتر العلاقات بين واشنطن وموسكو منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، يبدو أن اختيار ألاسكا كمقر للقاء المرتقب بين ترامب وبوتين لا يخلو من رمزية، فهي تمثل تقاطعًا نادرًا بين الجغرافيا والتاريخ، وتشير إلى إمكانية فتح نافذة للتقارب، ولو على أرض شهدت سابقًا لحظات من التوتر والصفقات التاريخية.
في عام 2014، صرّح بوتين بأن روسيا لا تسعى لاستعادة ألاسكا، ساخرًا بأنها “باردة جدًا”، لكن القمة القادمة تعيد تسليط الضوء على هذه الولاية النائية، التي تبدو اليوم أقرب إلى قلب العلاقات الأمريكية الروسية من أي وقت مضى.