ديناصور ضخم يتجول ببطء، وتهتز الأرض تحت وقع خطواته الثقيلة، بينما تبتعد الكائنات من حوله لتفسح له الطريق. وفي مشهد آخر، يطارد ديناصور صغير نسبيًا فريسته، فيما يتساقط لعابه من بين فكيه المليئين بأسنان حادة، تزن الواحدة منها ما قد يزن طفلًا حديث الولادة. هذه المشاهد غالبًا ما تخطر على أذهاننا عندما نسمع عن تلك المخلوقات المنقرضة. ولكن، هل تساءلت يومًا كيف اكتشف الإنسان تاريخ هذه الكائنات العملاقة والمذهلة؟
أول أحفورة ديناصور قبل 400 عام

يعود أول رسم توضيحي معروف لعظمة ديناصور إلى عام 1677 ( 347 سنة) وحينها أعتقد الرجل الذي كتب عنها أنها ربما تنتمي إلى عملاق بشري. ففي ذلك العام، نشر عالم الطبيعة الإنجليزي “روبرت بلوت” أول رسم توضيحي معروف لعظمة ديناصور. لكنه لم يكن يعرف ماهيتها. وفي البداية، تساءل عما إذا كانت الأحفورة – التي اكتشفت في أوكسفوردشاير بإنجلترا – عظمة فيل من الإمبراطورية الرومانية. وبعد فحص فيل حي للمقارنة، اقترح أن العظم ربما جاء من عملاق.
في الواقع، لم يسبب ذلك الادعاء – آنذاك، ضجة كبيرة، فعلى الرغم من أن الباحثين لم يبدأوا في فهم ماهية الديناصورات حتى القرن التاسع عشر، إلا أن قصص البشر الذين عثروا على عظام “تنانين” أو مخلوقات كبيرة أخرى تعود إلى قرون. ولهذا لم يكن من الغريب الحديث عن أحفوريات ضخمة. ويبقى السؤال.. متى بدأ البشر في معرفة كلمة ديناصور؟

«ميجالوصورس- إيجوانودون- هيلايوصوروس»
في عام 1824، نشر عالم الحفريات الإنجليزي “ويليام باك لاند” بحثًا عن أحفورة عظم فك من قرية إنجليزية تسمى ستونزفيلد. وصف البحث الأحفورة بكونها تنتمي إلى “مخلوق” وصفه بأنه زاحف كبير، ولهذا السبب استخدم الكلمات اليونانية التي تعني “السحلية الكبيرة” لتسميتها «ميجالوصورس» وبخلاف قوله إنه كان حيوانًا مفترسًا كبيرًا، لم يعطي معلومات أخرى عنه.
كان “ميجالوصورس” أول ديناصور يحصل على اسمه الحديث. وفي العام التالي اقترح عالم الحفريات الإنجليزي “جيديون مانتل” اسم «إيجوانودون» لمخلوق غريب آخر، تشبه أسنانه المتحجرة أسنان سحلية “إجوانا” ضخمة. وفي عام 1833، استخدم مانتل، شظايا عظام تم اكتشافها مؤخرًا لتحديد جنس جديد آخر، أطلق عليه اسم «هيلايوصوروس».
ومع هذه الاكتشافات الثلاثة، أصبحت البشرية تعرف ثلاثة أنواع من المخلوقات الضخمة بشكل غير عادي ليقارنها العلماء ببعضها البعض، وهذا بالضبط ما فعله عالم الحفريات والتشريح الإنجليزي “ريتشارد أوين”. وفي بحث رائد عام 1842، أشار أوين، إلى أوجه التشابه بين هذه الحفريات. وبناءً على أوجه التشابه، حدد كل هذه المخلوقات الثلاثة باسم «ديناصور»، وهو مصطلح جديد صاغه من خلال الجمع بين الكلمتين اليونانيتين “العظيم جدًا والسحلية”.

حروب العظام: قصة صديقان تحولا لأعداء
لقد استحوذت هذه الاكتشافات الجديدة على خيال الجمهور البريطاني، كما أصبح الجمهور الأمريكي مفتونًا بشكل خاص بالديناصورات خلال فترة أواخر القرن التاسع عشر المعروفة باسم حروب العظام، حيث تنافس اثنان من علماء الحفريات الأمريكيين للتفوق على بعضهما البعض باكتشافات جديدة للديناصورات.
كان الصديقان اللذان تحولا إلى خصمين في قلب حرب العظام هما عالما الحفريات “إدوارد درينكر كوب وأوثنيل تشارلز مارش”. فبدءًا من سبعينيات القرن التاسع عشر، استخدما ثرواتهما ومواردهما لتمويل عمليات التنقيب الجديدة وتخريب عمل كل منهما.
ورغم التخريب، تمكن كوب ومارش، من اكتشاف أكثر من 100 ديناصور جديد، بما في ذلك “ستيجوسورس وتريسيراتوبس”. ومع كل هذه الاكتشافات، بدأت المتاحف تعرض عظام الديناصورات وحتى إعادة بناء هياكلها العظمية.

واصل علماء الحفريات اكتشاف الأحفوريات الجديدة حتى عشرينيات القرن العشرين، لكن تمويل عمليات التنقيب انخفض أثناء الكساد الأعظم والحرب العالمية الثانية. وعاد الاهتمام العام بالاكتشافات في سبعينيات القرن العشرين، عندما بدأ علماء الحفريات في تحقيق اكتشافات أكثر إثارة، واقتراح نظريات غيرت فهمنا للمخلوقات العظيمة. وربما على رأسها بأن الطيور تنحدر من تلك المخلوقات المنقرضة والتي ربما كانت سادة الكوكب قبل أن تختفي إلى الأبد.
في ستينيات القرن التاسع عشر، كان عالم الأحياء الإنجليزي توماس هنري هكسلي، مدافعًا شرسًا عن نظرية التطور لتشارلز داروين. وأحد أوائل الأشخاص الذين لاحظوا أوجه التشابه بين حفريات الطيور وتلك المخلوقات الضخمة، واقترحوا وجود صلة تطورية بين الجنسين ولكن هذا الافتراض تطلب الكثير من الدراسات والافتراضات على مدار سنوات طويلة.