في تصاعد جديد للأوضاع في قطاع غزة، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء تعليمات مباشرة إلى الجيش بتنفيذ ضربات فورية وقوية في قطاع غزة، وذلك عقب اجتماع أمني طارئ في تل أبيب.
وجاءت هذه الخطوة في ظل توتر متصاعد بين إسرائيل وحركة حماس، بعد تبادل الاتهامات بخرق التفاهمات الميدانية المرتبطة بملف الرهائن، من دون أن يعني ذلك انهيار الهدنة القائمة بين الجانبين.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي إن قواته تعرّضت لإطلاق نار من مسلحين فلسطينيين في منطقة رفح جنوب قطاع غزة، مشيراً إلى أن الحادث وقع داخل المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل منذ أسابيع.

وأوضح البيان أن القوات ردّت على مصدر النيران واستهدفت مواقع تابعة لحماس، فيما تحدثت القناة الإسرائيلية 12 عن بدء سلاح الجو بشن غارات مكثفة على أهداف في رفح وخان يونس.
يأتي ذلك بعد ساعات من إعلان كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، عن تسليم خاطئ لجثمان أحد الرهائن الإسرائيليين، الأمر الذي اعتبرته تل أبيب «خرقاً جزئياً» للاتفاق المبرم بين الجانبين بشأن ملف الرهائن.
«خرق واضح للاتفاق».. والجيش يتأهب
وقال مكتب نتنياهو في بيان إن الفحص الذي أجري على الجثمان الذي أُعيد من غزة أكد أنه يعود للجندي أوفير تسرفاتي، الذي كانت إسرائيل قد استعادت جثمانه سابقاً في عملية عسكرية.
وأضاف البيان أن «عدم إعادة جثامين جميع المختطفين يشكل خرقاً واضحاً للاتفاق من جانب حماس»، مشيراً إلى أن نتنياهو أصدر تعليماته للجيش بالرد «فوراً وبقوة» على هذه الانتهاكات بالتنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية.
كشفت القناة 12 العبرية أن الاجتماع الأمني الذي عقده نتنياهو انتهى دون قرارات نهائية، لكن الجيش عرض خلاله عدة سيناريوهات للرد، من بينها تكثيف الغارات الجوية أو استهداف مواقع قيادية لحماس داخل القطاع.

وأوضحت القناة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي شدد على ضرورة التنسيق مع واشنطن قبل تنفيذ أي عملية واسعة النطاق، في إشارة إلى استمرار التنسيق السياسي والأمني مع الولايات المتحدة حول الوضع في غزة.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن الاجتماع، الذي كان من المقرر أن يُعقد بشكل موسع، اقتصر على مجموعة محدودة من كبار المسؤولين الأمنيين، بينهم وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان إيال زامير، ومنسق ملف الرهائن نيتسان ألون، ورئيس جهاز «الشاباك» ديفيد زيني.
«حماس» ترد باتهامات وتصعيد إعلامي
من جانبها، أعلنت كتائب القسام تأجيل تسليم جثمان رهينة آخر كان من المقرر تسليمه اليوم، متهمة إسرائيل بـ«انتهاك التفاهمات الإنسانية» و«منع فرق البحث التابعة للصليب الأحمر والفصائل الفلسطينية من الوصول إلى مواقع معينة في القطاع».
وقالت الحركة في بيان إن «إسرائيل تعيق الجهود الإنسانية الرامية للبحث عن جثامين الجنود الإسرائيليين داخل غزة»، مؤكدة أن مزاعم تل أبيب حول تباطؤ المقاومة في هذا الملف «ذرائع لتبرير التصعيد».
وطالبت «حماس» الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم قطر ومصر، بـ«الضغط على الاحتلال لوقف اعتداءاته والسماح بإنجاز المهام الإنسانية بعيداً عن الحسابات السياسية».

توتر ميداني تحت سقف الهدنة
ورغم تبادل الضربات، أكدت مصادر إسرائيلية أن العمليات الأخيرة لا تعني انهيار الهدنة، وإنما تندرج في إطار «رد موضعي» على خروقات محددة.
في المقابل، تحدثت وسائل إعلام عبرية عن رفع حالة التأهب في الجنوب واستنفار واسع للقوات الإسرائيلية في مناطق التماس مع غزة، استعداداً لأي تطور ميداني محتمل.
ونقلت القناة 12 عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن «تل أبيب تراقب سلوك حماس خلال الساعات المقبلة قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن توسيع نطاق العمليات».
اقرأ أيضًا:
نيويورك تايمز: ترامب يُقيد تحركات نتنياهو وواشنطن تعيد رسم ملامح العلاقة مع إسرائيل
واشنطن تمسك بخيوط اللعبة
وفي خلفية التصعيد، تواصل الولايات المتحدة لعب دور الضابط الرئيسي للإيقاع الميداني والسياسي.
وأكد مكتب نتنياهو أن أي خطوات عسكرية كبيرة «لن تتم دون تنسيق مسبق مع واشنطن»، ما يعكس استمرار النفوذ الأمريكي المباشر في إدارة الأزمة بين إسرائيل وحماس.

وبينما تبقى الأجواء مشحونة، يرى مراقبون أن مصير الهدنة والتصعيد على حد سواء لا يزال مرهوناً بالقرار الأمريكي، في ظل غياب مؤشرات واضحة على انفراج قريب في ملف الرهائن والعمليات العسكرية.
تبدو غزة مجدداً على صفيح ساخن، فبين ضربات إسرائيلية محدودة وتصريحات متوترة من الجانبين، يظل الهدوء الهش مهدداً في أي لحظة، وبينما تحاول واشنطن منع انزلاق الميدان إلى مواجهة شاملة، تبقى الاحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات، في انتظار ما ستسفر عنه الساعات القادمة من تل أبيب وغزة.
