- امتلأت الشاشة الصغيرة فجأة مع دخول رمضان بكمٍّ هائل من المسلسلات، والقاسم الأكبر بين هذه المسلسلات هو أنها منفِّرة. أحد هذه المسلسلات يصوِّر بعض الناس “الشعبيين”، حسب المفترض. ولكنه فعليًا لا يصوِّر بيئة شعبية، وإنما ينزل إلى تصوير بيئة أقل ما يقال عنها إنها منفِّرة، سواء من ناحية طريقة الحوار أو السيناريو الذي يمتلئ بلفتات وإيماءات أو الصوت العالي دائمًا، المليء في الغالب بالردح أو الغمز واللمز.
مسلسل آخر يصوِّر طبقة يبدو أنها قادمة من القمر، سواء في مستوى ثرائها أو مستوى انحرافها.
الخلاصة أن مسلسلات رمضان تنقل للمتلقي رسائل شديدة السلبية.
ذكّرني كل هذا بفن زمان وما كان ينقله من رسائل. تذكرت على سبيل المثال فيلم “لوعة الحب” بطولة أحمد مظهر وشادية. كان أحمد مظهر في هذا الفيلم يلعب دور سائق قطار. ومع ذلك، كانت ملابسه دائمًا نظيفة وبيته نظيفًا. في صالة البيت تجد مائدة صغيرة عليها مفرش أبيض بسيط، لكن نظيف. سائق القطار نفسه ثيابه بسيطة لكن نظيفة. زوجة سائق القطار ترتدي ثيابًا بسيطة لكن نظيفة. صوتها منخفض في الحديث معه.
كانت الرسالة التي يستقبلها المتلقي من الفيلم هي أنه يمكن أن تكون فقيرًا ولكن يجب أن تكون نظيفًا وأن تتصرف برقي. كان الناس يرون أبطال الفيلم فيقلدونهم. والآن يرى الناس أبطال المسلسلات وهم يصرخون في بعضهم، ويدخنون الشيشة في البيت، ويسرقون بعضهم، ويمارسون كل الانحرافات فيقلدونهم.
هل هذا ما نريده لمجتمعنا؟ هل هذا هو الفن الراقي؟
للأسف، تحول الفن من وسيلة لإصلاح المجتمع حسب مدرسة الواقعية الاشتراكية التي كانت سائدة في الخمسينيات والستينيات، إلى وسيلة لتقويض المجتمع بالمدرسة السريالية السائدة في السنوات الأخيرة.
لو لم يكن لدى الدولة خطة تجعل الفن يسهم في النهوض بالمجتمع، فالأولى بها أن ترفع يدها عن الفن وألا تسهم في تمويل إنتاج هذه القمامة التي نراها على شاشاتنا.