في إنجاز يُمثّل تطورًا بارزًا في قطاع التكنولوجيا البحرية، كشفت شركة هندسة النفط البحري المحدودة في العاصمة الصينية بكين، عن بدء تشغيل أول ذراع روبوتية محلية الصنع، صُممت خصيصًا لتنفيذ سبع مهام دقيقة ومعقدة تحت سطح البحر، ويأتي هذا الابتكار في سياق الجهود الرامية إلى تعزيز قدرات الصين على استكشاف واستغلال موارد الطاقة في البيئات البحرية العميقة والصعبة.
ويمثل هذا التطور إنجازًا وطنيًا جديدًا يُعزز من قدرات الصين الذاتية في تنفيذ المهام الفنية المعقدة في أعماق المحيطات، خاصة في ظل التنافس العالمي على تطوير تقنيات أعماق البحار.
أداء أولي ناجح في منطقة مصب نهر اللؤلؤ
تم تثبيت الذراع على متن مركبة بحرية تعمل عن بُعد (ROV)، وخلال أول اختبار ميداني لها في منطقة مصب نهر اللؤلؤ بجنوب الصين، أثبتت الذراع الروبوتية كفاءتها في تنفيذ مهام تركيب وتشغيل المعدات تحت الماء، رغم الظروف البيئية القاسية والتيارات القوية التي تميّز المنطقة، وذلك بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا”.
سبع وظائف متكاملة في بيئة تحت مائية صعبة
تتمتع الذراع الروبوتية بقدرات متقدمة تشمل التمدد، السحب، التأرجح، التدوير، الفتح، الإمساك، والشبك، مما يمكّنها من أداء عمليات دقيقة مثل تشغيل الصمامات وتركيب الأجهزة الفنية في أعماق تصل إلى 7000 متر، حيث الضغط الهائل والتيارات المتغيرة تشكّل تحديات تقنية كبيرة.
وقد تم تطوير هذه الوظائف بالتكامل مع نظام تحكّم دقيق عن بعد، ما يسمح بتنفيذ مهام معقّدة دون الحاجة إلى الغوص البشري، ويوفّر قدرًا كبيرًا من الأمان والفعالية في العمليات البحرية.
تصميم خفيف وتكلفة أقل
من بين أبرز مزايا الذراع الروبوتية الصينية وزنها الخفيف، الذي يبلغ 60 كيلوجرامًا فقط، أي أقل بنحو 35% من النماذج الأجنبية المشابهة، ورغم خفة وزنها، فهي قادرة على رفع حمولة تصل إلى 125 كيلوجرامًا عند الامتداد الكامل، ما يعكس الكفاءة الهيكلية وقوة الأداء.
كما أظهرت بيانات الشركة المصنعة أن تكلفة إنتاج الذراع تقل بنسبة 40% عن الأذرع المستوردة، ما يعزّز موقعها كخيار اقتصادي واستراتيجي للصناعات البحرية في الصين، ويُمهّد لاعتمادها على نطاق واسع.
نحو استقلال صناعي وتقني في قطاع البحار
يمثل هذا التطور جزءًا من مساعي الصين لتحقيق الاستقلال التكنولوجي في مجالات كانت تعتمد فيها سابقًا على المعدات المستوردة، خصوصًا من دول متقدمة في هذا المجال مثل الولايات المتحدة، اليابان، والنرويج.
وبحسب شركة هندسة النفط البحري، فإن هذا الابتكار يضع الصين في مصاف الدول القليلة التي تمتلك تقنيات متقدمة قادرة على أداء مهام تحت مائية دقيقة على أعماق كبيرة، ويفتح الباب أمام تطوير منظومة صناعية متكاملة لتقنيات أعماق البحار.
أهمية استراتيجية في استكشاف موارد الطاقة
تأتي هذه الخطوة في سياق توجه أوسع من جانب الحكومة الصينية نحو تعزيز أمنها الطاقي من خلال استغلال الموارد البحرية، خاصة في ظل تقلبات السوق العالمية والصراعات الجيوسياسية التي قد تؤثر على سلاسل التوريد.
ويرى خبراء أن تقنيات مثل هذه الذراع الروبوتية ستساهم في زيادة كفاءة عمليات الاستكشاف والاستخراج البحري، وتُقلّل الاعتماد على المعدات الأجنبية، ما يضمن استمرارية المشاريع البحرية الحيوية للصين.
اقرأ أيضًا
تايوان تراهن على رياح البحر لتغذية مصانع الرقائق وتقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة
بداية مرحلة جديدة في الابتكار البحري
من المتوقع أن تواصل الصين ضخ استثمارات استراتيجية في قطاع الروبوتات تحت المائية، سواء في ميادين الاستكشاف، الأبحاث العلمية، أعمال الصيانة، أو الإنقاذ البحري، وتُعد الذراع الروبوتية الحالية حجر الأساس لسلسلة من الابتكارات التقنية التي تخطط الصين لإطلاقها خلال السنوات المقبلة.
ويشير محللون إلى أن هذه التقنية تعكس رؤية الصين للتحوّل إلى قوة صناعية وتقنية في مجال التكنولوجيا البحرية، في وقت يتزايد فيه الطلب العالمي على معدات قادرة على العمل في البيئات المعقّدة وتحت الضغط العالي.
رسالة تكنولوجية صينية للعالم
لا تقتصر أهمية الذراع الروبوتية الجديدة على بعدها التقني فحسب، بل تحمل دلالات استراتيجية ورسائل واضحة بأن الصين أصبحت لاعبًا رئيسيًا في سباق السيطرة على تكنولوجيا أعماق البحار، وتعمل بجدّية على تقليص الفجوة مع القوى الصناعية الكبرى.
ويُتوقع أن تفتح هذه التكنولوجيا الباب أمام استخدامات متعددة، ليس فقط في المجال الطاقي، بل أيضًا في مشاريع الأبحاث العلمية والبيئية، بما يُعزّز مكانة الصين كمركز ابتكار عالمي في مجال تقنيات البحار والمحيطات.