في خطوة علمية واعدة، يعمل باحثون من جامعة «تكساس إيه آند إم» الأمريكية على تطوير علاج مبتكر لأمراض الكبد المزمنة الناتجة عن الإفراط في تناول الكحول، وذلك باستخدام جسيمات نانوية مجهرية لا يتجاوز حجمها جزءًا من ألف من سُمك شعرة الإنسان.
ونشرت نتائج البحث، يوم الجمعة، في دورية Biomaterials العلمية، مشيرة إلى قدرة هذه الجسيمات على وقف الالتهاب والتليّف الكبدي بشكل فعّال، ما يفتح آفاقًا جديدة أمام العلاجات الدقيقة في مجال أمراض الكبد.

أزمة عالمية: 1.5 مليار مصاب بأمراض الكبد
تُعدّ أمراض الكبد المزمنة من أبرز التحديات الصحية على مستوى العالم، حيث تؤثر على أكثر من 1.5 مليار شخص، وتتنوع هذه الحالات بين التهاب الكبد المزمن، والتليّف، وتشمع الكبد، وصولاً إلى السرطان في المراحل المتقدمة، وترتبط معظم هذه الأمراض بعوامل مثل:
-
الإفراط في شرب الكحول
-
العدوى الفيروسية المزمنة (كالتهاب الكبد B وC)
-
السمنة وسوء التغذية

الجسيمات النانوية: علاج دقيق وآمن
يختلف هذا العلاج الجديد عن الأساليب التقليدية التي تركز عادة على التوقف عن استهلاك الكحول وتخفيف الالتهاب، فقد طور الباحثون جسيمات نانوية آمنة وقابلة للتحلل الحيوي قادرة على استهداف خلايا الكبد التالفة والالتصاق بها، لتمنع تفاقم المرض في مراحله المبكرة.
ويمتاز الكبد بقدرته الطبيعية على التجدد، حتى عند تعرضه لتلف بنسبة تصل إلى 70-80%، غير أن هذا التجدد يتعطل مع تكرار الضرر، لتدخل خلايا مناعية تُعرف باسم “خلايا كوبفر” في دائرة التسبب بالضرر بدلاً من الإصلاح.

كيف تعمل الجسيمات النانوية؟
تم تعديل سطح الجسيمات النانوية لتتمكن من التعرف على بروتين فريد يوجد فقط في خلايا كوبفر، وعند التفاعل مع هذا البروتين، تعمل الجسيمات كمفتاح بيولوجي يقوم بـتحفيز سلوك مضاد للالتهاب داخل الخلية، بدلاً من أن يُسهم في عملية التليّف وتكوين الندبات، وفي التجارب المخبرية، أظهرت الجسيمات فعالية عالية، حيث:
-
ارتبطت بخلايا كوبفر تحديدًا دون التأثير على باقي خلايا الكبد
-
قللت من الالتهاب
-
حدّت من تراكم الدهون
-
خفضت مؤشرات التليّف مقارنة بالعلاجات التقليدية
اقرأ أيضًا:
دراسة كندية: الدهون الخفية في البطن والكبد تُهدد الشرايين حتى لدى الأجسام “النحيفة”
آفاق علاجية واعدة تتخطى الكبد
يرى الفريق البحثي أن هذه التقنية لا تقتصر فائدتها على علاج أمراض الكبد فحسب، بل قد تمهد الطريق لعلاج أمراض أخرى مرتبطة بالالتهاب والتليّف في أعضاء مثل الرئتين، الكلى، والقلب، من خلال نفس آلية الجسيمات النانوية الموجهة.
ويأمل الباحثون أن تنتقل هذه الابتكارات إلى التجارب السريرية قريبًا، لتتحول إلى علاجات دقيقة تستهدف الخلايا الضارة دون التأثير على السليمة، وهو ما يمثل تحولًا نوعيًا في التعامل مع أمراض الكبد المزمنة التي غالبًا ما تفتقر إلى خيارات علاجية فعّالة.
هذا الابتكار يضع الأساس لمرحلة جديدة في علاج أمراض الكبد، عبر الاستفادة من تكنولوجيا النانو لاستهداف الخلايا بدقة عالية، وفي حال نجاح التجارب المستقبلية، قد يشكل هذا العلاج بصيص أمل لملايين المرضى حول العالم الذين يعانون من تبعات أمراض الكبد الناتجة عن الكحول أو الالتهابات المزمنة.
