كثفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب جهودها الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة للتوصل إلى اتفاقية أمنية بين سوريا وإسرائيل، في خطوة وصفت بأنها غير مسبوقة منذ عقود.
وحددت واشنطن موعداً نهائياً في سبتمبر المقبل لإبرام الاتفاق، مع احتمالية الإعلان الرسمي أو توقيع الوثيقة في 25 سبتمبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
لقاء مرتقب تحت أنظار العالم
تسعى الإدارة الأميركية إلى استغلال المنصة الدولية الكبرى لعقد لقاء يجمع الرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه.
ومن المقرر أن يلقي الشرع كلمته الأولى أمام الجمعية العامة منذ عقود يوم 25 سبتمبر، تليها كلمة نتنياهو في اليوم التالي، ما يفتح الباب أمام توقيع الاتفاقية بعد فترة قصيرة من خطاب الرئيس السوري.
ويرى مراقبون أن مشهد اللقاء الثلاثي سيشكل حدثاً سياسياً بارزاً يعزز من صورة واشنطن كوسيط رئيسي في المنطقة.
تصريحات متفائلة من سوريا
الرئيس السوري أحمد الشرع أكد أن المحادثات مع إسرائيل بلغت مراحل متقدمة، مشيراً إلى التوصل إلى حلول بنسبة 80% للقضايا الجوهرية.
وعبّر عن تفاؤله بوجود “فرص كبيرة” لإنجاز اتفاقية تضمن ترتيبات أمنية متبادلة، تشمل إقامة مناطق منزوعة السلاح على طول حدود مرتفعات الجولان.
ويأتي ذلك بعد أشهر من التغييرات السياسية العميقة في سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وهو ما أفسح المجال أمام انخراط دمشق في مسار تفاوضي جديد.
أهمية الاتفاق لإدارة ترمب
نجاح هذه الخطوة سيُسجل نصراً سياسياً للرئيس ترمب، الذي يسعى إلى تعزيز إرثه الدبلوماسي قبل انتخابات التجديد النصفي.
ويرى محللون أن الاتفاق المحتمل سيكون الأول من نوعه بين البلدين منذ اتفاق فك الاشتباك عام 1974، ما قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار الإقليمي.
كما يشكل الاتفاق، وفقاً لمسؤولين أميركيين، جزءاً من استراتيجية “أميركا أولاً” الهادفة إلى تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وتعزيز أمن الحدود الشمالية لإسرائيل، إضافة إلى إدماج دمشق في تحالف إقليمي أوسع يضم دولاً خليجية أخرى.
تصعيد عسكري موازٍ
رغم هذه الجهود الدبلوماسية، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في العمق السوري. فقد أدى توغل إسرائيلي قرب العاصمة دمشق إلى مقتل ستة جنود سوريين، ما دفع الخارجية السورية إلى وصف الهجمات بأنها “انتهاك خطير للقانون الدولي” و”خرق لسيادة البلاد”.
وتشير تقارير غربية إلى أن تل أبيب تسعى لتعزيز مكاسبها الاستخبارية قبل الدخول في التزامات قد تحد من عملياتها العسكرية، في حال الالتزام بالاتفاقية الأمنية المرتقبة.
الرؤية الأميركية ومحددات الاتفاق
مصادر في الإدارة الأميركية أوضحت أن الاتفاق المزمع يهدف إلى تحقيق أمن حدودي متبادل دون الدخول في معاهدة سلام شاملة.
واعتبر مسؤولون أميركيون أن المبادرة تمثل امتداداً لنجاحات إدارة ترمب السابقة في اتفاقيات أبراهام، مع فارق أن هذه المرة سيكون الاتفاق مع دمشق، التي طالما كانت على خلاف عميق مع واشنطن وتل أبيب.
لقاء ثلاثي قيد التحضير
تسريبات صحافية أشارت إلى أن البيت الأبيض يخطط لعقد لقاء ثلاثي مباشر يجمع ترمب والشرع ونتنياهو خلال أسبوع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذا الاجتماع، إن تم، سيكون بمثابة إعلان رسمي للوساطة الأميركية، ويعزز من موقع واشنطن كقوة دافعة نحو إعادة تشكيل خريطة التحالفات في الشرق الأوسط.
ويستند هذا التحرك إلى الاجتماع السابق الذي جمع ترمب والشرع في الرياض في مايو الماضي، حيث تم رفع بعض العقوبات الأميركية عن سوريا تمهيداً للمسار التفاوضي الحالي.
عقبات تعترض المسار
رغم المؤشرات الإيجابية، ما زالت هناك عقبات كبيرة تهدد نجاح الاتفاق، فقد نفت وزارة الخارجية السورية صحة التقارير التي تتحدث عن قرب التوصل لاتفاق، ووصفتها بـ”الفبركات”، مؤكدة أن استعادة مرتفعات الجولان المحتلة تظل شرطاً أساسياً لأي تفاهم، وهو مطلب ترفضه إسرائيل بشكل قاطع.
كما أشار المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك إلى وجود ملفات عالقة، بينها العنف المستمر في المناطق الدرزية السورية والمخاوف الإسرائيلية من نشاط الجماعات الجهادية مثل هيئة تحرير الشام.
مستقبل غامض وتوقعات متباينة
يرى مراقبون أن نجاح الاتفاقية سيُسجل تحولاً تاريخياً في مسار العلاقات بين سوريا و إسرائيل، إلا أن هشاشة المفاوضات والعداء التاريخي بين الطرفين يجعلان مستقبلها غير مضمون.
ومع اقتراب موعد اجتماعات الجمعية العامة، يترقب العالم ما إذا كانت براعة ترمب في إبرام الصفقات ستتمكن من ردم أحد أعمق الانقسامات في الشرق الأوسط، أو أن الاتفاق سيظل معلقاً بفعل الحسابات السياسية والعسكرية المعقدة في المنطقة.
تابع ايضًا…الرئيس اللبناني: تمديد بعثة “اليونيفيل” خطوة مهمة لاستكمال انتشار الجيش اللبناني