في خطوة مفاجئة تعكس تحوّلات غير متوقعة في المشهد الإقليمي، أعلنت وزارة الدفاع التركية توقيع مذكرة تفاهم مع نظيرتها السورية بشأن التعاون في مجال التدريب والمشورة العسكرية، وذلك عقب لقاء رسمي جمع وزيري الدفاع في البلدين، يشار غولر ومرهف أبو قصرة، في العاصمة أنقرة يوم الأربعاء.
وحضر اللقاء أيضًا وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ورئيس جهاز الاستخبارات السورية، حسين السلامة، ما يبرز الطابع السياسي والأمني العميق لهذا التقارب، الذي يأتي بعد سنوات طويلة من القطيعة والتوتر بين البلدين منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.

اتفاق عسكري “تركي–سوري” مفاجئ.
وجاء في بيان وزارة الدفاع التركية ، أن الاجتماع تناول “قضايا الدفاع والأمن الثنائية والإقليمية”، وتمخض عنه توقيع اتفاقية تُعنى بالتدريب والمشورة العسكرية المشتركة، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
من جانبها، أكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن اتفاق التعاون يهدف إلى “تعزيز قدرات الجيش السوري، وتطوير هيكليته، ودعم إصلاح قطاع الأمن”، مشيرة إلى أن الاتفاق يشمل التبادل المنتظم للأفراد العسكريين، والتدريب المتخصص، وتقديم المساعدة الفنية.

انقلاب في العلاقات؟
تُعد هذه الاتفاقية، حال تأكيد تنفيذها على الأرض، تطورًا غير مسبوق في العلاقات التركية–السورية، خصوصًا في ظل العداء العلني الذي طبع خطاب أنقرة تجاه نظام الأسد طيلة سنوات الحرب السورية، حيث دعمت تركيا المعارضة المسلحة وطالبت مرارًا بإسقاط النظام السوري.
لكن المشهد السياسي بدأ يشهد تحوّلات تدريجية منذ مطلع عام 2024، بعد الإطاحة المفاجئة ببشار الأسد – حسب ما جاء في التصريحات التركية – ما قد يفسّر وجود حكومة سورية جديدة أكثر براغماتية واستعدادًا للتقارب مع أنقرة.
سيناريوهات خلف التحالف الجديد
تحالف أمني لمواجهة النفوذ الكردي
أحد السيناريوهات المرجحة هو سعي أنقرة ودمشق لتنسيق الجهود ضد وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها تركيا تهديدًا إرهابيًا، بينما لا تزال دمشق ترى في تحركاتها خطرًا على وحدة الأراضي السورية. التعاون الأمني قد يوفر غطاءً سياسيًا وعسكريًا مشتركًا لضرب أي مشاريع انفصالية شمال شرق سوريا.
إعادة رسم التوازنات الإقليمية
يأتي هذا الاتفاق في ظل تصاعد النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، وبالتزامن مع تقارب تركي مع عدد من الدول العربية. أنقرة قد تسعى عبر هذا التقارب إلى احتواء النفوذ الإيراني في دمشق، والحفاظ على موطئ قدم لها في مستقبل سوريا، من خلال الشراكة مع الحكومة الجديدة ما بعد الأسد.
عودة تدريجية للاجئين؟
توقيع اتفاق من هذا النوع قد يُمهّد لعودة تدريجية للاجئين السوريين في تركيا، وهو ملف داخلي بالغ الحساسية، خصوصًا قبيل الانتخابات المقبلة عام 2028. اتفاق أمني وعسكري قد يُرافقه تفاهم سياسي يضمن بيئة آمنة لعودة اللاجئين، ولو جزئيًا.
ورقة ضغط في وجه الغرب؟
التحالف المفاجئ مع دمشق قد يُستخدم أيضًا كورقة ضغط تركية على واشنطن والاتحاد الأوروبي، في ظل توتر العلاقات بسبب ملفات شرق المتوسط وسوريا. تركيا توجّه رسالة مفادها أنها قادرة على تغيير تموضعها الإقليمي إن لم تُراعَ مصالحها الأمنية والاقتصادية.
اقرأ أيضا.. سوريا وتركيا توقعان اتفاقية تعاون عسكري لتعزيز قدرات الجيش السوري