خرج اتفاق السلام في غزة إلى النور أخيرًا بعد مفاوضات شاقة قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه، بمشاركة مصر وقطر وتركيا. وقد رحّب العالم بالاتفاق باعتباره خطوة تاريخية نحو إنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، لكنّ المراقبين يحذرون من أن صمود هذا الاتفاق يعتمد على حلّ مجموعة من القضايا الجوهرية التي لا تزال عالقة.
وبحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، فإن صور ارتياح الجانبين بعد تبادل الأسرى والرهائن كانت “الوجه الإيجابي” لخطة ترامب، غير أن الأسئلة الصعبة بدأت تُطرح حول مستقبل الاتفاق وآليات تنفيذه على الأرض.
انسحاب إسرائيل بين التعهدات والواقع الميداني
تتعهد خطة ترامب بانسحاب تدريجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة عبر ثلاث مراحل، بدأت بالانسحاب إلى ما يُعرف بـ”الخط الأصفر” الذي يترك لإسرائيل السيطرة على نحو 53% من أراضي القطاع.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألقى بظلال من الشك على هذا الالتزام، قائلاً الأسبوع الماضي: “لا يزال الجيش الإسرائيلي متغلغلاً في عمق القطاع ويسيطر على جميع نقاطه… نحن نحاصر حماس من جميع الجهات.”
ويرى محللون أن استمرار وجود القوات الإسرائيلية بهذا الشكل يُضعف الثقة في نوايا الانسحاب الكامل، خصوصاً في ضوء سوابق إسرائيل في الاحتفاظ بأراضٍ محتلة في سوريا وجنوب لبنان رغم اتفاقات وقف إطلاق النار.
نزع سلاح حماس المعضلة الكبرى
يُعد نزع سلاح حركة حماس أحد الشروط الأساسية في خطة ترامب لغزة. لكن قياديًا بارزًا في الحركة أكد لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذا المطلب “غير وارد”، مضيفًا أن “تسليم السلاح غير قابل للتفاوض”.
وبحسب الخبراء، فإن غياب آلية واضحة لنزع السلاح يجعل تنفيذ هذا البند شبه مستحيل. وتشير بعض المقترحات إلى إمكانية “تجميع الأسلحة وتسليمها في مواقع محددة”، لكنّ قيادات حماس تدرك جيدًا أن التخلي عن السلاح يعني فقدان أحد أهم عناصر قوتها السياسية والعسكرية.

قوة الاستقرار الدولية أسئلة بلا إجابات
تنص الخطة الأمريكية على تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة بمشاركة عربية ودولية، لتتولى حفظ الأمن الداخلي في غزة بعد انسحاب إسرائيل. غير أن تفاصيل هذه القوة لا تزال غامضة.
ومن بين الأسئلة المطروحة:
هل ستحظى هذه القوة بتفويض من الأمم المتحدة؟
من هي الدول التي ستشارك فيها؟
وهل ستتدخل عسكريًا في حال خرق الهدنة؟
وقال دبلوماسي غربي لصحيفة فايننشال تايمز: “لا أحد يتوقع أن تُقاتل هذه القوة حماس، لكنها ستجعل استئناف القتال أكثر صعوبة.”
ومع ذلك، تبقى المخاوف قائمة من تكرار سيناريوهات سابقة، مثل الهجمات الإسرائيلية على قوات حفظ السلام في لبنان، ما يثير الشكوك حول فعالية هذه القوة.
إعادة إعمار غزة بين الطموح والعقبات
تتضمن خطة ترامب وعدًا بإطلاق عملية إعادة إعمار شاملة لغزة تحت شعار “إعادة بناء وتنشيط القطاع”، عبر مشاريع استثمارية وتنموية كبرى.
لكن الواقع يبدو أكثر تعقيدًا، فحجم الدمار الهائل، والقيود الإسرائيلية المحتملة على دخول مواد البناء، قد يعوقان التنفيذ.

وتتخوف جهات فلسطينية من تكرار تجربة ما بعد حرب 2014، حين تعطلت عملية الإعمار بسبب القيود الإسرائيلية والبيروقراطية الدولية، ما أدى إلى نشوء سوق سوداء لمواد البناء.
ويرى خبراء التنمية أن نجاح الإعمار يحتاج إلى ضمانات حقيقية من إسرائيل بعدم التدخل، وتمويل عربي ودولي مستدام، إضافة إلى إدارة شفافة من جهة فلسطينية موحدة.
اقرأ أيضًا:
إعادة إعمار غزة| دول كبرى تعلن استعدادها للمساهمة بتكلفة تُقدّر بـ 70 مليار دولار
من سيحكم غزة؟ مستقبل السلطة الفلسطينية وحماس
تبقى قضية الحكم في غزة من أكثر الملفات حساسية في المرحلة المقبلة.
فبينما تدفع بعض الأطراف باتجاه عودة السلطة الفلسطينية لتولي إدارة القطاع، يرفض نتنياهو هذا الخيار، معتبرًا أن السلطة “فشلت سابقًا في السيطرة على غزة”.
من جهة أخرى، تروج بعض الأفكار الغربية – مثل تلك التي طرحها مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول – لتشكيل إدارة فلسطينية جديدة تضم شخصيات من حماس السابقة إلى جانب عناصر من السلطة، لضمان توازن سياسي يرضي جميع الأطراف.
لكن إسرائيل تبدو مصممة على رفض أي صيغة تمنح حماس دورًا سياسيًا مباشرًا، وهو ما قد يُدخل العملية السياسية في حالة جمود جديدة.

اتفاق على مفترق طرق
في المجمل، يمثل اتفاق غزة إنجازًا سياسيًا غير مسبوق بعد سنوات من الحرب والحصار، لكنه لا يزال هشًا أمام تحديات الانسحاب، ونزع السلاح، وإعادة الإعمار، وبناء الحكم الفلسطيني الجديد.
ويرى مراقبون أن نجاح خطة ترامب يتوقف على قدرة الأطراف على ترجمة النوايا السياسية إلى خطوات عملية، وإلا فإن الهدوء الحالي قد لا يدوم طويلًا.
