في عالم تتزايد فيه الاعتمادية على الفضاء الرقمي، أصبحت الحروب السيبرانية ساحة جديدة للصراعات الدولية، تتجاوز في بعض الأحيان الهجمات العسكرية التقليدية. بين الهند وباكستان، الجارتين النوويتين اللتين تتقاسمان تاريخًا طويلاً من التوترات، لم تعد المعارك تقتصر على الحدود البرية أو الجوية، بل امتدت لتشمل الفضاء السيبراني، حيث تتصاعد الهجمات وتتنوع أساليبها في ظل أجواء سياسية مشحونة.
تصاعد التوترات الحالية في الفضاء السيبراني
مع بداية عام 2025، شهدت العلاقة بين الهند وباكستان تصعيدًا ملحوظًا في الهجمات السيبرانية، مما يشير إلى أن الساحة الرقمية قد أصبحت ميدان المعركة الأكبر بين البلدين. وفقًا لتقارير حديثة، أحبطت الحكومة الهندية ما يقرب من مليون هجوم سيبراني، في دلالة واضحة على حجم التهديد. كما لوحظ تصاعد غير مسبوق في هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS) الباكستانية ضد الهند منذ أوائل مايو 2025 .
تعتبر كل من الهند وباكستان بيئة خصبة لفرق القراصنة المدعومة حكوميًا، نظرًا للعدد الكبير من المتخصصين في الأمن السيبراني والمهارات التقنية العالية في كلا البلدين وقد أظهرت الإحصائيات أن الهند كانت ثاني أكثر الدول تعرضًا للهجمات السيبرانية في عام 2024، حيث واجهت أكثر من 95 هيئة ومؤسسة هجمات متنوعة وشهدت الهند أكثر من 500 مليون هجوم سيبراني في عام 2024 وحده، بزيادة قدرها 46% عن العام السابق من جانبها، أشارت تقارير كاسبرسكي إلى ارتفاع كبير في معدل الهجمات السيبرانية ضد القطاع المالي الباكستاني بنسبة تتجاوز 114% في العام الماضي.
هذا التصعيد في الفضاء السيبراني يأتي في سياق التوترات المستمرة في إقليم كشمير، حيث أدت الأحداث الأخيرة إلى اشتعال الساحة السيبرانية، مع بدء الحكومة الباكستانية بشن هجمات عبر فرق القراصنة المستقلة قبل حتى تصاعد الأزمة عسكريًا.
أبرز الهجمات السيبرانية في العقد الماضي
لم تكن الحرب السيبرانية بين الهند وباكستان وليدة اللحظة، بل هي نتاج تاريخ طويل من الصراع الرقمي الذي شهد تبادل الهجمات التي استهدفت قطاعات عسكرية وحكومية وخدمية. تهدف هذه الهجمات بشكل أساسي إلى التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية، وفي بعض الأحيان التخريب. حاليًا، يوجد ما لا يقل عن 45 مجموعة قراصنة نشطة نتيجة لهذا الصراع، منها 10 مجموعات تدعم الهند و35 تدعم باكستان.
هجمات سيبرانية هندية بارزة
تعتمد الحكومة الهندية على فرق القراصنة التابعة لها لشن هجمات تتجاوز باكستان لتشمل دولًا أخرى. من أبرز هذه الهجمات والفرق:
- قراصنة درع الجحيم (Hell Shield Hackers): زعمت هذه المجموعة الهندية اختراق حوالي 100 موقع ومتجر إلكتروني باكستاني احتفالًا بيوم الاستقلال الهندي. وقد نشرت المجموعة رسالة على المواقع المخترقة تحذر فيها من هجمات سيبرانية مكثفة.
- سايدويندر (SideWinder): تُعد هذه المجموعة من أبرز فرق القراصنة الهنود، وقد استهدفت مسؤولين حكوميين في باكستان. تستخدم سايدويندر تقنية
تُعرف باسم “بوليمورفيزم” لتغيير شكل الفيروسات باستمرار وتجنب برامج الحماية، مما يسمح لها بنقل ملفات ضارة بشكل خفي. يُعتقد أن هذه المجموعة تعمل لمصلحة المخابرات الهندية، وقد وسعت أهدافها لتشمل مواقع حكومية باكستانية مثل الهيئة الوطنية لتنظيم الكهرباء (NEPRA)، كما أنشأت مواقع تصيد مزيفة لوكالة التحقيقات الفدرالية (FIA) وشركات الغاز ووزارة الخارجية. امتد نشاط سايدويندر أيضًا ليشمل أفغانستان والصين ونيبال، ومؤخرًا بعض المنشآت البحرية في دول البحر المتوسط مثل ميناء الإسكندرية في مصر.
- كونفوشيوس (Confucius): كشفت شركة الأمن السيبراني الصينية “إنتي” أن هذه المجموعة الهندية المتقدمة شنت هجمات سيبرانية استهدفت مؤسسات حكومية وعسكرية في باكستان والصين وبنغلاديش منذ عام 2013 . تعتمد كونفوشيوس على رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية ومواقع التصيد المزيفة لسرقة المعلومات الحساسة وتعطيل البنى التحتية الحيوية.
- باتش ورك (Patchwork): برزت هذه المجموعة في ديسمبر 2015، واستهدفت دبلوماسيين واقتصاديين رفيعي المستوى لهم علاقات خارجية بالصين. يُعتقد أن باتش ورك تتخذ من الهند مقرًا لها، وتستهدف المكاتب الدبلوماسية الأجنبية في باكستان وسريلانكا وأوروغواي وبنغلاديش وتايوان وأستراليا والولايات المتحدة. كما شنت هجومًا شرسًا على الحكومة الباكستانية عبر إطلاق أكثر من 12 تطبيقًا خبيثًا على متجر جوجل بلاي استهدف موظفين حكوميين.
- فرق أخرى: تمتلك الهند ترسانة سيبرانية تشمل فرقًا أخرى مثل “دروبينغ إليفانت” (Dropping Elephant) المتخصصة في الهجوم على الحكومة الصينية، و”فايسوري تايغر” (Viceroy Tiger) التي تعتمد على مستندات Office في هجماتها [1]. كما وسعت مجموعة “دارك بازين” (Dark Basin) نقاط هجماتها لتشمل 6 قارات مختلفة خلال السنوات السبع الماضية [1].
هجمات سيبرانية باكستانية بارزة
لم تكن الهجمات السيبرانية الباكستانية مجرد رد فعل، بل كانت مخططة لاستهداف القطاعات العسكرية والحكومية والأمنية الهندية، بالإضافة إلى التجسس وجمع المعلومات من أبرز هذه الهجمات:
- هجوم يوم الجمهورية (2014): أعلن هاكرز باكستانيون مسؤوليتهم عن اختراق 2118 موقعًا إلكترونيًا هنديًا في يوم الجمهورية، بما في ذلك موقع البنك المركزي الهندي. وقد نُشرت على المواقع المخترقة عبارات مثل “باكستان زيند آباد” و”أمن موقعك مُعرض للخطر”.
- ترانسبيرنت ترايب (Transparent Tribe / APT36): خلال عام 2024، شنت هذه المجموعة الباكستانية هجمات متعددة على شخصيات بارزة في الحكومة الهندية، باستخدام برمجيات خبيثة من نوع “حصان طروادة للوصول عن بعد” (RAT).
تُظهر الحرب السيبرانية بين الهند وباكستان تطورًا مستمرًا في الأساليب والتقنيات المستخدمة، مما يعكس الأهمية المتزايدة للفضاء الرقمي كساحة للصراع. مع استمرار التوترات السياسية، من المرجح أن تظل هذه الحرب الخفية جزءًا لا يتجزأ من العلاقة المعقدة بين البلدين، مما يستدعي يقظة مستمرة وتطويرًا لقدرات الدفاع السيبراني من كلا الجانبين.
