في مشهد مهيب أعاد إلى الأذهان مجد الإمبراطورية القديمة، ارتفعت أصوات أجراس كاتدرائية القديس بطرس في قلب الفاتيكان، معلنة بدء عهد جديد مع تنصيب البابا ليو الرابع عشر رسمياً بابا للكنيسة الكاثوليكية، خلفاً للبابا الراحل فرنسيس.
وفي أول ظهور علني له، جاب البابا الجديد – وهو أول أمريكي يتولى هذا المنصب – ساحة القديس بطرس بسيارته البابوية المكشوفة، ملوحاً لعشرات الآلاف من الحشود التي تقاطرت منذ الفجر من مختلف أنحاء العالم. وتنوعت الأعلام التي ارتفعت في الساحة ما بين علم الفاتيكان، وعلمي الولايات المتحدة وبيرو، اللتين ينتمي إليهما البابا ليو، المولود في شيكاغو من أصول بيروفية.

تنصيب البابا ليو الرابع عشر.. رسائل قوية بلغة هادئة
في عظته الأولى، التي ألقاها باللغة الإيطالية بطلاقة، حرص البابا ليو الرابع عشر على مد جسور التفاهم مع المحافظين داخل الكنيسة الذين شعروا بالتهميش في عهد سلفه، قائلاً: “سأحكم دون الاستسلام لإغراء الاستبداد”. ودعا إلى الحفاظ على تراث الكنيسة الراسخ الممتد منذ قرون، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة الانفتاح على قضايا العصر ومواجهة تحدياته، من دون التخلي عن المبادئ.
واستنكر البابا الأنماط الاقتصادية “التي تستغل موارد الأرض وتهمش الفقراء”، مواصلاً بذلك نهج البابا فرنسيس في تبني قضايا العدالة الاجتماعية والبيئية. كما شدد على أن الكنيسة “يجب أن تبقى وفية لإرثها، من دون أن تنغلق على ذاتها، ولا مجال فيها للدعاية أو فرض القوة”.
حضور دولي واسع… ومصافحات دبلوماسية لافتة
وشهدت العاصمة الإيطالية، التي عادت ترفع شعارها القديم “Roma, Caput Mundi” (روما عاصمة العالم)، قداساً تاريخياً شارك فيه ممثلون عن أكثر من 200 دولة، إلى جانب عدد من الرؤساء والأمراء، في مشهد يعكس الامتداد العالمي للكنيسة الكاثوليكية التي يتبعها 1.4 مليار شخص.
ومن أبرز الحاضرين، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي التقى لأول مرة منذ أشهر مع نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، في مصافحة رمزية على خلفية خلاف دبلوماسي سابق في واشنطن. وكان فانس قد ترأس وفداً أمريكياً رفيعاً ضم أيضاً وزير الخارجية ماركو روبيو، وهما من الشخصيات الكاثوليكية البارزة في الإدارة الأمريكية.
وأعلن الفاتيكان أن البابا سيستقبل زيلينسكي لاحقاً، فيما ختم قداسته بالقول: “أوكرانيا تنتظر مفاوضات من أجل إحلال سلام عادل ودائم”.
تحركات دولية على هامش القداس
على هامش الاحتفالات، تحدث المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن تنسيق يجري بينه وبين قادة بريطانيا وفرنسا وبولندا لعقد مشاورات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل الاتصال المقرر بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين. وقال ميرتس إنه ناقش الأمر مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال مشاركتهما في القداس، مضيفاً: “اتفقنا على مواصلة التنسيق استعداداً لمكالمة الغد”.
نقطة تحول
القداس التنصيبي للبابا ليو الرابع عشر لم يكن مجرد مناسبة دينية، بل محطة دولية جامعة، حملت رسائل كنسية، وسياسية، واجتماعية، وحددت ملامح مرحلة جديدة للكنيسة الكاثوليكية، في قلب عالم يموج بالأزمات والصراعات.
اقرأ أيضًا:
ختام قمة بغداد.. القضية الفلسطينية في الصدارة والخروج بـ 16 مبادرة كخارطة طريق للقضايا العربية