في خطوة لافتة وغير مسبوقة داخل أوروبا، صادق البرلمان الإسباني رسميًا على قانون يقضي بوقف كافة أشكال تجارة السلاح بين مدريد وتل أبيب، استجابة لضغط شعبي واسع رافقته مظاهرات ضخمة اجتاحت مختلف المدن الإسبانية خلال الأيام الأخيرة. القرار البرلماني جاء وسط غضب شعبي متصاعد من استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، واتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم ترقى إلى “الإبادة الجماعية”، وفقًا لشعارات رُفعت في الاحتجاجات.
البرلمان الإسباني يستجيب للانتفاضة غزة
خلال الأيام الأربعة الماضية، شهدت إسبانيا واحدة من أكبر التعبيرات الشعبية في تاريخها الحديث، حيث قدّرت مصادر إعلامية إسبانية أن قرابة مليوني شخص شاركوا في المظاهرات التي عمّت الشوارع والساحات من مدريد إلى جزر الكناري. ونقلت صحيفة “لاراثون” عن مصادر أمنية أن نحو 400 ألف شخص تظاهروا في العاصمة مدريد، فيما خرج أكثر من 300 ألف في برشلونة، و100 ألف في فالنسيا، إلى جانب عشرات الآلاف في مدن مثل سانتياجو، بامبلونا، قادش، وجزر البليار وتينيريفي.
التحركات لم تقتصر على المسيرات العامة، بل امتدت إلى الجامعات والمعاهد، حيث انخرط مئات الآلاف من الطلاب في احتجاجات متواصلة منذ مطلع الأسبوع، رفضًا لما وصفوه بـ”الصمت الدولي” على الهجوم الإسرائيلي الأخير، واحتجاجًا خاصًا على الاعتداء الذي طال “أسطول الحرية”، الذي كان يسعى لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.

وبحسب المنظمين، فإن حجم الحراك الأخير تجاوز كل التحركات التي شهدتها البلاد منذ بدء الحرب على غزة قبل عامين، مؤكدين أن ما يجري ليس فقط تعبيرًا عن التعاطف مع الفلسطينيين، بل هو نتيجة “غضب شعبي متراكم” من سياسات الحكومات الأوروبية، وفي مقدمتها حكومة مدريد، التي طالما وُصفت بأنها متواطئة بصمتها أو بترددها في اتخاذ مواقف حازمة تجاه إسرائيل.
البرلمان الإسباني.. حظر تصدير السلاح لإسرائيل
البرلمان الإسباني، الذي يهيمن عليه حاليًا تحالف يسار الوسط بقيادة الحزب الاشتراكي، صوّت بالأغلبية على مشروع قانون يُلزم الحكومة بوقف تصدير الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام العسكري لإسرائيل. الخطوة أثارت ارتياحًا واسعًا بين المحتجين، واعتُبرت أول استجابة فعلية للشارع منذ اندلاع الموجة الأخيرة من الغضب.

مع ذلك، لم تخلُ المظاهرات من توتر، إذ سجلت بعض المدن، خاصة مدريد وبرشلونة، تدخلات محدودة من الشرطة لفض التجمعات أو تأمين المؤسسات الحكومية، ما دفع منظمات حقوقية لاتهام حكومة بيدرو سانشيث بالازدواجية، بين إعلانها دعم “الحقوق المشروعة للفلسطينيين” وبين ترددها في اتخاذ قرارات حاسمة على مستوى العلاقات السياسية والعسكرية.
ويرى مراقبون أن إسبانيا تمثل اليوم نموذجًا نادرًا في أوروبا الغربية من حيث الاستجابة للضغط الشعبي في ملف السياسة الخارجية، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وسط تراجع عام في المواقف الرسمية الأوروبية أو انحياز صريح لإسرائيل في بعض الحالات.
ومع تصاعد الزخم الشعبي ووضوح الموقف البرلماني، يُتوقع أن تزداد الضغوط على الحكومة الإسبانية لاتخاذ مزيد من الخطوات، قد تشمل مراجعة الاتفاقات الاقتصادية مع تل أبيب، أو حتى تقليص العلاقات الدبلوماسية، إذا استمرت الحرب على غزة دون تدخل دولي فاعل.
اقرأ أيضا.. وثائق مسرّبة تفضح بايدن.. تدخل لمنع نشر تقرير استخباراتي عن صفقات عائلته في أوكرانيا