تكشف سر الثعبان ذو الأرجل في اكتشاف أثري مذهل يُعيد رسم خريطة تطور الثعابين، حيث عثر علماء الحفريات في الأرجنتين على جمجمة كاملة لثعبان قديم يبلغ عمره 95 مليون عام.
تنتمي الجمجمة إلى نوع نادر من الثعابين البرية التي امتلكت أرجلًا خلفية.
ويُعد هذا الاكتشاف الأول من نوعه الذي يوفّر جمجمة ثلاثية الأبعاد مكتملة لمثل هذا النوع، ما يتيح للعلماء فرصة غير مسبوقة لفهم أعمق لآليات تطور الزواحف، خصوصًا الثعابين.
الثعبان ذو الأرجل: اكتشاف غير متوقع من طالب جامعي
بدأت القصة في فبراير عام 2013، عندما كان فرناندو غاربروجليو، الطالب الجامعي آنذاك في علم الحفريات بجامعة بوينس آيرس، يشارك في عمليات تنقيب شمال باتاغونيا، وتحديدًا في موقع “لا بويتريرا” المعروف بثرائه الأحفوري.
وخلال تلك الحملة، عثر غاربروجليو على جمجمة محفوظة بشكل استثنائي تعود لنوع من الثعابين القديمة يُعرف باسم Najash rionegrina، وهي تسمية مستوحاة من الكلمة العبرية “ناحاش” وتعني “ثعبان”، في إشارة إلى الثعبان التوراتي ذي الأرجل.
لم يكن الاكتشاف مفاجئًا فحسب، بل مثّل أيضًا لحظة فارقة في مجال دراسة تطور الثعابين. وقد تعاون غاربروجليو مع الباحثين أليساندرو بالشي ومايكل كالدويل لنشر دراسة علمية حول الجمجمة الجديدة، كشفت عن تفاصيل دقيقة وحاسمة في تشريح هذا النوع الغامض من الزواحف.
الثعبان الضخم: حلقة تطورية مفقودة
رغم أن أدلة أحفورية أولية على هذا النوع ظهرت في أوائل القرن الحادي والعشرين من خلال جمجمة مجزأة وهيكل عظمي جزئي، فإن حالة الجمجمة السيئة حينها حدّت من قدرة العلماء على فهم بنية الرأس والسلوك الغذائي. لكن الجمجمة المكتشفة مؤخرًا غيّرت هذا الواقع تمامًا.
صرّح غاربروجليو لصحيفة نيويورك تايمز بأن الجمجمة الجديدة تُعد “أكثر جمجمة ثعبان من العصر الوسيط اكتمالًا تم اكتشافها على الإطلاق”، مضيفًا أنها “تحتوي على بيانات أساسية لفهم تشريح الثعابين القديمة”.
ومن المعروف أن فهم سمات جمجمة الثعابين ضروري لتتبع تطورها، لأنها ترتبط مباشرة بآليات التغذية والتخصص البيئي. ووفقًا للباحثين، فإن هذه الجمجمة المتكاملة قد زوّدتهم بأدلة على الكيفية التي بدأت بها الثعابين تطوير قدرتها على التهام فرائس أكبر منها حجمًا، وهي السمة المميزة للثعابين الحديثة.
من أربع أرجل إلى العدم
تاريخيًا، اعتقد العلماء أن الثعابين تطورت من زواحف تشبه الثعابين العمياء الحديثة (سكوليكوفيديانس)، والتي اعتُبرت أكثر أنواع الثعابين بدائية.
ولكن دراسة Najash تُغيّر هذا الافتراض. فبينما تمتلك الثعابين الحديثة هيئات مطوّلة وأطرافًا مفقودة، تظهر Najash بسمات تشير إلى أن أسلاف الثعابين ربما كانت رباعية الأرجل.
تشير الدراسة إلى أن الثعابين فقدت أطرافها الأمامية منذ ما لا يقل عن 170 مليون سنة، لكنها استمرت في الاحتفاظ بأرجل خلفية لعشرات الملايين من السنين. وهذه الخلاصة تُعدّ ثورة في فهم كيفية تطور الزواحف من كائنات ذات أطراف إلى زواحف عديمة الأطراف، كما نراها اليوم.
الجمجمة تتكلم: تكيف مدهش
كشف تحليل الجمجمة المكتشفة أن Najash امتلكت أفواهًا واسعة مبطنة بأسنان حادة، وجماجم ذات مفاصل متحركة تسمح بابتلاع فرائس كبيرة – على غرار الثعابين الحديثة.
ولكن في المقابل، احتفظت ببعض السمات العظمية التي تُشاهد في السحالي، مثل العظمة الوداجية (epipterygoid)، وهي بنية تشريحية موجودة خلف العين تُعتبر شائعة في السحالي لكنها نادرة لدى الثعابين الحالية.
مع مرور الوقت، تطورت هذه العظمة في الثعابين الحديثة إلى شكل أبسط وأكثر تكيفًا مع أسلوب الحياة الزاحف عديم الأطراف، ما يوضح كيف أن البنية العظمية تدعم الوظائف الحيوية الجديدة بمرور الزمن.
وأوضح الدكتور مايكل كالدويل، الباحث المشارك في الدراسة وعالم الحفريات الفقارية بجامعة ألبرتا، أن “الخصائص ‘الثعبانية’ تعود إلى زمن قديم جدًا، وربما لهذا السبب لا نرى اليوم أي ثعابين رباعية الأرجل مثل بقية السحالي”.
وأضاف: “ربما كانت الثعابين من أولى الزواحف التي خاضت تجربة فقدان الأطراف، لكن الأكثر إثارة للدهشة هو ما استطاعت فعله رغم انعدام الأطراف تمامًا”.
اكتشاف نوع جديد من ديناصورات السبينوصور في البرتغال بعد 23 عامًا من الخطأ
أفق جديد في علم تطور الزواحف
يُسلّط هذا الاكتشاف الضوء على مرحلة تطورية دقيقة بين السحالي رباعية الأرجل والثعابين الحديثة، ويؤكد أن فقدان الأطراف لم يكن حدثًا مفاجئًا بل عملية تدريجية عبر ملايين السنين، رافقتها تحوّلات معقدة في تشريح الجمجمة والوظائف الحيوية.
وقد يُعيد هذا البحث توجيه بوصلات العلماء في البحث عن سلالات الثعابين الأخرى التي ما زالت مفقودة، ويدفعهم للتنقيب في مواقع جديدة على أمل العثور على المزيد من الحلقات المفقودة في تاريخ تطور الحياة.