تشهد مدغشقر تطورات سياسية متسارعة، بعدما أعلن البرلمان عزل الرئيس أندري راجولينا من منصبه، في خطوة تبعتها مباشرة سيطرة الجيش على الحكم وإعلان حل عدد من مؤسسات الدولة، في مشهد يعيد الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي إلى دوامة الانقلابات السياسية والعسكرية.
وقال الكولونيل مايكل راندريانيرينا، أحد قادة الجيش، في تصريح للإذاعة الوطنية: “تولينا السلطة”، مضيفًا أن القوات المسلحة قررت حل جميع مؤسسات الدولة باستثناء مجلس النواب الذي صوت قبل دقائق فقط على عزل الرئيس راجولينا.
جيش مدغشقر يعلن حل المؤسسات وتولي الحكم
وفي بيان رسمي بثته وسائل الإعلام المحلية، أعلن قادة الجيش تعليق عمل مجلس الشيوخ والمحكمة الدستورية العليا والهيئة الانتخابية ومؤسسات حكومية أخرى، مشيرين إلى أن الخطوة تأتي “حفاظًا على وحدة البلاد واستقرارها” بعد أسابيع من الاحتجاجات المتصاعدة ضد الرئيس راجولينا.
يُذكر أن الكولونيل راندريانيرينا كان قد قاد تمردًا داخل صفوف الجيش الأسبوع الماضي، بعد انضمام عدد من الضباط والجنود إلى حركة احتجاجية يقودها شباب من جيل زد المناهضين للحكومة، وهو ما سرّع بانهيار ولاء المؤسسة العسكرية للرئاسة.
راجولينا يختفي… ويحاول التشبث بالسلطة
تزامنت هذه التطورات مع إصدار الرئيس راجولينا مرسومًا يقضي بـحل الجمعية الوطنية، في محاولة لقطع الطريق على تصويت برلماني يهدف إلى عزله بسبب ما اعتبرته المعارضة “عجزًا مؤقتًا عن أداء مهامه”.

وفي مرسوم نُشر على صفحة الرئاسة عبر فيسبوك، جاء أن القرار يستند إلى المادة 60 من الدستور، مبررًا بأنه “ضروري لإعادة النظام وتعزيز الديمقراطية”.
لكن التطورات الميدانية تجاوزت المرسوم الرئاسي، إذ أكدت مصادر محلية أن الرئيس غادر البلاد الأحد على متن طائرة عسكرية فرنسية إلى جهة غير معلومة، وفق ما نقلته إذاعة فرنسا الدولية.
ورغم ذلك، ظهر راجولينا في خطاب مباشر عبر فيسبوك مساء الثلاثاء، دعا فيه إلى “احترام الدستور”، مستبعدًا تقديم استقالته، ومؤكدًا أنه ما زال “الرئيس الشرعي للبلاد”.
احتجاجات شبابية ورفض لإطلاق النار
شهدت العاصمة أنتاناناريفو خلال الأيام الماضية مظاهرات حاشدة شارك فيها آلاف المحتجين، معظمهم من فئة الشباب المنضوين تحت حركة “الجيل زد”، إضافة إلى موظفين حكوميين مضربين عن العمل ونقابات مهنية متعددة.
ولعبت وحدة “كابسات” العسكرية — التي سبق أن أطاحت بحكومة سابقة عام 2009 — دورًا محوريًا في الأزمة الحالية، إذ دعت قوات الأمن إلى “رفض إطلاق النار على المتظاهرين” قبل أن تعلن انضمامها الكامل للاحتجاجات.
وبحسب الأمم المتحدة، أسفرت المواجهات الأولى بين المتظاهرين وقوات الأمن عن مقتل 22 شخصًا على الأقل وإصابة نحو 100 آخرين بجروح.
اقرأ أيضًا:
عراقجي: ترامب خُدع بمعلومات زائفة حول البرنامج النووي الإيراني
غموض سياسي ودعوات لانتخابات مبكرة
ينص دستور مدغشقر على وجوب إجراء انتخابات تشريعية خلال فترة تتراوح بين 60 و90 يومًا بعد إعلان حل الجمعية الوطنية، غير أن سيطرة الجيش على السلطة تُلقي بظلال من الشك على الجدول الزمني الانتخابي وعلى مستقبل العملية الديمقراطية برمتها.
ويرى مراقبون أن الجزيرة الفقيرة مقبلة على مرحلة انتقالية جديدة، خصوصًا أن مدغشقر شهدت في تاريخها سلسلة من الانتفاضات الشعبية والانقلابات العسكرية منذ استقلالها عام 1960.
موقف فرنسا وردّ ماكرون
تزامنت هذه التطورات مع تصاعد الغضب الشعبي ضد النفوذ الفرنسي في مدغشقر، حيث رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: “اخرجي يا فرنسا” و”راجولينا وماكرون اخرجا”، في إشارة إلى اتهام باريس بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية.
وخلال مشاركته في قمة شرم الشيخ للسلام حول غزة، رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التعليق على مزاعم تهريب راجولينا، قائلاً: “لا أؤكّد شيئا اليوم”.
تُعد مدغشقر من أفقر دول العالم، إذ يعيش أكثر من 80% من سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة تحت خط الفقر، بدخل يومي لا يتجاوز 15 ألف أرياري (2.8 يورو)، وفق بيانات البنك الدولي.
ويحذر خبراء من أن استمرار الاضطرابات السياسية سيُفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في البلاد، التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة والسياحة والمساعدات الخارجية.