لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة لتحسين جودة الصور أو تلخيص الملاحظات، بل بات اليوم لاعبا أساسيا في مجالات حيوية مثل البرمجة وتصميم الفيديو. ومع هذا التطور السريع، تزداد التساؤلات والقلق حول مستقبل البشر في سوق العمل.
ففي الوقت الذي تبهر فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي العالم بإمكاناتها، تلوح في الأفق مخاوف حقيقية من أن تحل هذه التقنية محل البشر، لا سيما في وظائف تتطلب مهارات متقدمة كانت تُعد في السابق “محصنة” من الأتمتة.

تسريحات جماعية في مايكروسوفت.. والسبب: الذكاء الاصطناعي
في تحول دراماتيكي، أعلنت شركة مايكروسوفت عن تسريح نحو 6000 موظف مؤخرا، أي ما يعادل 3% من إجمالي قوتها العاملة حول العالم، وشملت هذه الإجراءات الاستغناء عن أكثر من 40% من مهندسي البرمجيات في مقرها بواشنطن. هذا التغيير الكبير جاء بعد تصريح للرئيس التنفيذي، ساتيا ناديلا، أكد فيه أن الذكاء الاصطناعي بات قادرا على كتابة ما يصل إلى 30% من الشيفرات البرمجية في بعض مشاريع الشركة.
ورغم حالة القلق المتصاعدة، دافعت أبرنا تشينابراجادا، رئيسة قسم المنتجات في مايكروسوفت، عن أهمية البرمجة، مؤكدة أن الإبداع البشري لا يزال حجر الأساس في تطوير البرمجيات، وأن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً كاملاً عن المهارات البشرية.
جوجل تسير على النهج نفسه… وتزيد من حدة الجدل
الوضع لا يختلف كثيرًا في شركة جوجل، حيث صرح الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تساهم الآن في كتابة أكثر من 25% من الأكواد داخل الشركة. ومع ذلك، أكد بيتشاي أن هذه الأدوات لن تؤدي فقط إلى خسارة وظائف، بل ستفتح الباب أيضًا أمام فرص جديدة.
في مؤتمر Google I/O 2025، كشفت الشركة عن النسخة الثالثة من مولد الفيديو الذكي “Veo 3″، القادر على إنتاج محتوى بصري بجودة تضاهي أعمال المحترفين. غير أن التصريحات الصادمة لديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لشركة DeepMind التابعة لجوجل، أثارت جدلاً واسعًا، إذ أكد أن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في تعطيل معظم الوظائف البشرية خلال السنوات الخمس المقبلة.
تقرير دولي: الشركات تستعد للاستغناء عن البشر
وتدعم هذه المخاوف تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي، التي كشفت أن 41% من الشركات تخطط لتقليص عدد موظفيها بحلول عام 2030، نتيجة لتزايد الاعتماد على الأتمتة. كما توقع داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic، أن تصل نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى 20% خلال نفس الفترة، بسبب تأثيرات الذكاء الاصطناعي.
لكن في المقابل، تبرز بوادر أمل، إذ تشير التقديرات إلى أن الطلب سيتزايد على مهارات جديدة مثل تصميم وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث تعتزم 70% من الشركات توظيف متخصصين في هذا المجال، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي. كما أن 62% من المؤسسات تبحث عن موظفين قادرين على التكيف والعمل جنبًا إلى جنب مع الآلات الذكية.
إنتاجية أعلى… لا استبدال كامل
وفي هذا السياق، أوضحت هيذر دوشي، خبيرة التوظيف في شركة SignalFire، أن الذكاء الاصطناعي لن “يسرق” الوظائف تمامًا، بل سيعمل على تعزيز الإنتاجية من خلال أتمتة المهام الروتينية، مما يتيح للموظفين التركيز على أعمال أكثر إبداعًا وتخصصًا.
ومع تصاعد تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، دعا داريو أمودي الحكومات إلى فرض ضرائب على شركات تطوير هذه التقنية، بهدف التخفيف من آثارها المحتملة على المجتمعات والاقتصادات. وقال في مقابلة مع شبكة CNN: “علينا أن نستعد للتغيرات الكبرى، ولا يجب أن نغرق في هذا التيار ونحن نائمون.”
اليوم، يقف العالم على أعتاب مرحلة فارقة، حيث لم يعد بإمكان الأفراد أو المؤسسات تجاهل موجة الذكاء الاصطناعي. التكيف مع هذه التكنولوجيا بات ضرورة، واكتساب المهارات الجديدة أصبح شرطًا أساسياً للبقاء والازدهار في سوق عمل يتغير بوتيرة غير مسبوقة.
اقرأ أيضًا: