شهدت أسواق الذهب العالمية ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، حيث تجاوزت قيمة الأونصة الواحدة حاجز 2,900 دولار، مسجلة زيادة بنسبة 12% منذ بداية العام الجاري، وذلك وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
ويأتي هذا الارتفاع القياسي في ظل ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية، والتي شهدت تحولات اقتصادية وسياسية أثارت مخاوف المستثمرين حول العالم.
الذهب.. الملاذ الآمن في زمن الاضطرابات
يعتبر المعدن الأصفر ملاذًا آمنًا للمستثمرين في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي. إلا أن الارتفاع الأخير في أسعاره يعد استثنائيًا، حيث يأتي في وقت تشهد فيه أسواق الأسهم ارتفاعًا قياسيًا، وتتمتع الاقتصادات الكبرى بمعدلات توظيف قوية. هذا الوضع دفع العديد من المحللين إلى رفع توقعاتهم، متوقعين وصول الأسعار إلى 3,000 دولار للأونصة بحلول نهاية العام.
سياسات ترامب سبب رئيسي وراء الارتفاع
أحد العوامل الرئيسية التي تقف خلف هذا الارتفاع هو سياسات الرئيس ترامب الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالرسوم الجمركية وعمليات الترحيل، هذه السياسات أثارت مخاوف من ارتفاع التضخم وزيادة التوترات التجارية العالمية، مما جعل الذهب أكثر جاذبية كأصل آمن. وفقًا لـ”جيوفاني ستاونوفو”، محلل السلع في بنك UBS السويسري، فإن انتخاب ترامب كان عاملًا محوريًا في هذه القفزة الكبيرة في أسعار الذهب.
حرب تجارية محتملة.. تهديد يدفع زيادة الطلب
تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية متبادلة أثارت مخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية، وهو ما قد يجعل المعدن النفيس أفضل الأصول أداءً في مثل هذه السيناريوهات، وفقًا لاستطلاع أجراه بنك أمريكا لمديري الصناديق العالميين، فإن اندلاع حرب تجارية شاملة سيدفع أسعار المعدن الأصفر إلى مستويات أعلى بكثير.
نيويورك مركز الطلب المتزايد
شهدت نيويورك، أحد المراكز الرئيسية لتداول العقود الآجلة للذهب، زيادة كبيرة في الطلب على المعدن النفيس. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع مخزونات الذهب في بورصة السلع بنسبة تزيد عن 70% منذ بداية العام. وأشار “مجلس الذهب العالمي” إلى أن المخاوف بشأن التعريفات الجمركية عززت من جاذبية المعدن الأصفر كاستثمار آمن.
فجوة الأسعار بين نيويورك ولندن
عادةً ما تكون أسعار المعدن الأصفر متشابهة في نيويورك ولندن، ولكن في الآونة الأخيرة، ظهرت فجوة سعرية ملحوظة بين المدينتين، ويعود ذلك جزئيًا إلى زيادة الطلب في الولايات المتحدة والمخاوف المتعلقة بالرسوم الجمركية، وللاستفادة من هذا الفرق السعري، بدأ التجار في نقله من لندن إلى نيويورك، مما تسبب في اختناقات لوجستية في عمليات النقل.
التحديات اللوجستية
نقل الذهب ليس عملية بسيطة، فهو يتطلب تدابير أمنية عالية ويتسم بارتفاع التكاليف، بالإضافة إلى ذلك، فإن المستودعات في نيويورك لا تقبل سوى سبائك ذهبية ذات حجم معين، مما يعني أن الشحنات القادمة من لندن يجب أن تمر أولًا عبر سويسرا لإعادة صهرها وتشكيلها. وقد ارتفعت الصادرات السويسرية من الذهب إلى الولايات المتحدة ثلاثة أضعاف في يناير/كانون الثاني مقارنة بالشهر السابق.
المصارف المركزية لاعب رئيسي في السوق
لم يكن ارتفاع أسعار الذهب مدفوعًا فقط بسياسات ترامب، بل لعبت المصارف المركزية دورًا كبيرًا في تعزيز الطلب. منذ عام 2022، اشترت البنوك المركزية أكثر من 1,000 طن متري من الذهب سنويًا، في محاولة لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وتنويع احتياطياتها. على سبيل المثال، يسعى البنك المركزي البولندي إلى زيادة احتياطياته من الذهب إلى 20% من إجمالي احتياطياته.
توقعات متفائلة لمستقبل الذهب
مع استمرار التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، يتوقع الخبراء أن تستمر الأسعار في الارتفاع، وقد رفع بنك جولدمان ساكس توقعاته إلى 3,100 دولار للأونصة هذا العام، مستشهدًا باستمرار الطلب القوي من المصارف المركزية كعامل رئيسي.
في النهاية، يبدو أن الذهب سيظل الملاذ الآمن المفضل للمستثمرين في عالم يزداد اضطرابًا، حيث تتفاعل الأسواق مع سياسات ترامب والتحديات الاقتصادية العالمية.
اقرأ أيضًا:
الصين تحذر من تأثيرات الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد العالمي