بدأ وزير الخارجية الصيني وانغ يي، زيارة رسمية إلى الهند هي الأولى له منذ ثلاث سنوات، في خطوة تعكس محاولة بكين تعزيز العلاقات الثنائية في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة.

وتأتي الزيارة في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى جرّ الهند أكثر نحو معسكر الغرب، بينما تراهن بكين على تعميق شراكتها مع نبودلهي باعتبارهما قوتين ناميتين مؤثرتين في ما يُعرف بـ”الجنوب العالمي”.

الصين تراهن على “الجنوب العالمي”

وفق تقرير صحيفة تايمز البريطانية، ترى بكين أن الهند تمثل عنصراً محورياً في تشكيل تحالفات جديدة بين الدول النامية لمواجهة النفوذ الغربي.

ونقل التقرير عن المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان قوله: “الصين والهند دولتان ناميتان كبيرتان، والتعاون بينهما كشريكين يساعد كل منهما الآخر على النجاح، وهو الخيار الصحيح للطرفين”.

هذا التوجه يعكس رغبة الصين في توظيف المظالم المشتركة لدول الجنوب العالمي ضد السياسات الأمريكية لتعزيز موقعها على الساحة الدولية.

خلفية تاريخية للعلاقات الهندية – الصينية

العلاقات بين بكين ونيودلهي طالما ارتبطت بميزان القوى الدولية. فخلال الحرب الباردة، وقفت الهند في صف الاتحاد السوفياتي السابق الذي زودها بالسلاح، بينما كانت الولايات المتحدة تميل إلى باكستان – الحليف التاريخي للصين.

لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع قوة روسيا في السنوات الأخيرة، بدأت خريطة التحالفات تتغير.

الدور الأمريكي ومحاولة جذب الهند

أوضحت التايمز أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن سعت إلى إدماج الهند بشكل أوثق في التكتلات الغربية، خصوصاً من خلال “الرباعية” التي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا إلى جانب نيودلهي، لمواجهة النفوذ العسكري الصيني المتنامي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

كما أقام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي علاقة عمل وثيقة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، قبل أن تتراجع هذه العلاقة في ولايته الثانية نتيجة خلافات تجارية.

ضغوط أمريكية متزايدة

في السياق ذاته، تواجه الهند تهديدات بفرض رسوم جمركية أمريكية تصل إلى 50% على صادراتها، وهي نسبة أعلى من تلك المفروضة على الصين نفسها بموجب الاتفاقيات التجارية المبدئية بين واشنطن وبكين.

اقرأ أيضًا:

القرم.. البؤرة الاستراتيجية التي تحدد معادلة الحرب والسلام بين روسيا وأوكرانيا

وترى الصحيفة أن هذه الضغوط قد تعيق مساعي نيودلهي لتعزيز اقتصادها، خاصة أنها تسعى إلى جذب الاستثمارات العالمية بعيداً عن بكين، في وقت تواصل فيه بكين الحفاظ على اقتصاد تصدير قوي ومتنوع.

الهند بين خيارين

يؤكد محللون أن الهند تقف اليوم عند مفترق طرق استراتيجي، فهي من جهة تُعتبر شريكاً طبيعياً للغرب باعتبارها ديمقراطية كبرى، ومن جهة أخرى، لا تزال بحاجة إلى علاقات مستقرة مع الصين، جارتها العملاقة وخصمها التقليدي.

وبحسب التايمز، فإن قدرة نيودلهي على الموازنة بين علاقتها مع واشنطن وبكين ستحدد موقعها في النظام العالمي الجديد الذي يتشكل على وقع التنافس بين القوى الكبرى.

تمثل زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى نيودلهي اختباراً لمدى استعداد الهند لتعميق تعاونها مع بكين في مواجهة الضغوط الأمريكية. وفي ظل التحولات الجيوسياسية الحالية، تبدو الهند في موقع فريد يسمح لها بلعب دور الوسيط أو القوة الموازنة بين الشرق والغرب، وهو ما قد يحدد شكل التحالفات الدولية خلال العقود المقبلة.