عشرات الآلاف من العمال الهنود المؤقتين من دفع اشتراكات التأمين الوطني، بموجب توقيع اتفاق تجاري جديد مع الهند بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني، يثير غضب واسع في المملكة المتحدة.

ووفقًا لديلي ميل البريطاني، يتضمن الاتفاق بند – إعفاء ضريبي – مما يجعل توظيف الهنود أقل تكلفة من العمال المحليين، ويثير اتهامات لرئيس الوزراء كير ستارمر بتفضيل العمال الأجانب على حساب المواطنين البريطانيين.

«العمال الهنود» الإعفاء الضريبي

الهند، التي وصفت الإعفاء بأنه “انتصار غير مسبوق”، كانت قد طالبت بهذا البند خلال مفاوضات استمرت ثلاث سنوات.

ووفقًا لشروط الاتفاق، فإن العمال الهنود الذين يُنقلون مؤقتًا للعمل في مكاتب شركاتهم داخل المملكة المتحدة لن يُطلب منهم دفع اشتراكات التأمين الوطني خلال السنوات الثلاث الأولى من إقامتهم، كما تُعفى الشركات أيضًا من دفع تلك المساهمات نيابة عنهم، سواء كانت شركات هندية أو متعددة الجنسيات.

ويُطبق هذا الإعفاء أيضًا بشكل متبادل على العمال البريطانيين المنتقلين للعمل في الهند، ضمن إطار اتفاقية “المساهمة المزدوجة”، والتي تُشبه اتفاقيات وقّعتها بريطانيا سابقًا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

إلا أن حذف الإشارة إلى هذا البند من البيان الصحفي البريطاني بشأن الاتفاق، زاد من حدة الانتقادات.

اقرأ أيضًا

«عملية السندور» الهند تشن هجومًا على باكستان والعالم يخشى الحرب النووية

أرقام رسمية من بريطانيا

أرقام رسمية كشفت أن المواطنين الهنود شكّلوا النسبة الأكبر من الحاصلين على تأشيرات عمل في بريطانيا عام 2024، بإجمالي 81,463 تأشيرة، ما يعادل 22% من مجموع التأشيرات الصادرة.

ومن بين هؤلاء، كان 34,954 (43%) من المتقدمين الرئيسيين، بينما بلغ عدد المُعالين أو أفراد العائلة 46,509 (57%).

أكثر فئات التأشيرات شيوعًا بين العمال الهنود كانت في مجال الصحة والرعاية (30,301 تأشيرة، أي 37%)، تليها تأشيرات العمال المهرة (27,922، أي 34%). كما مُنحت فئات أصغر من الهنود تأشيرات في مجالات الأعمال (6,219)، والإبداع الفني (1,860)، والرياضة الدولية (241)، والعمل الديني (148)، والعمالة الموسمية (101)، ورجال الدين (70).

ورغم هذا الرقم المرتفع، فإن عدد تأشيرات العمل الممنوحة للهنود انخفض بنسبة 50% مقارنة بعام 2023، حيث بلغ آنذاك 162,655 تأشيرة.

ويُعزى هذا التراجع إلى تغييرات أجرتها الحكومة المحافظة السابقة في سياسات الهجرة، والتي شملت حظر جلب أفراد الأسرة للعمال في مجال الرعاية، وزيادة الحد الأدنى للرواتب المطلوبة للحصول على تأشيرات العمال المهرة إلى 38,700 جنيه إسترليني.

وقد انخفض عدد المتقدمين الرئيسيين من الهنود بنسبة 53%، والمعالين بنسبة 48% على أساس سنوي، وهو ما يعكس أثر التشدد في سياسات الهجرة.

تأشيرات العمل في بريطانيا

من جهة أخرى، أصدرت المملكة المتحدة 419,312 تأشيرة دراسة خلال عام 2024، منها 92,355 (22%) مُنحت لمواطنين هنود، لتحتل الهند المرتبة الثانية بعد الصين (103,561 تأشيرة أو 25%).

وكانت النسبة الأكبر من هذه التأشيرات – نحو 88,909 (96%) – للطلاب الرئيسيين، فيما مُنحت 3,446 تأشيرة فقط للمعالين (4%).

وكما هو الحال في تأشيرات العمل، فقد انخفض عدد تأشيرات الدراسة الممنوحة للهنود بنسبة 42% مقارنة بعام 2023، حين بلغت 159,371 تأشيرة.

ويُرجع هذا التراجع إلى قواعد جديدة دخلت حيز التنفيذ في مطلع عام 2024، تمنع الطلاب الدوليين من إحضار أفراد عائلاتهم باستثناء من يدرسون برامج بحثية أو يحصلون على منح حكومية.

وقد انخفض عدد المتقدمين الرئيسيين بنسبة 26%، من 119,970 في 2023 إلى 88,909 في 2024، فيما انخفض عدد المعالين بنسبة 91%، من 39,401 إلى 3,446.

الهند وبريطانيا 

الاتفاق التجاري تضمن أيضًا بنودًا خاصة بتأشيرات “العمال المهرة”، تشمل معلمي اليوغا، والطهاة، والموسيقيين، بعد أن تم تصنيفهم ضمن فئات العمال المهرة، مع تحديد سقف سنوي لهذه التأشيرات لا يتجاوز 1,800 تأشيرة.

لكن وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، وتراجع قطاع الخدمات لأول مرة منذ 18 شهرًا، اعتبر الكثيرون أن الاتفاق يُوجّه ضربة إضافية للعمال البريطانيين. وزادت الضغوط السياسية على حزب العمال عقب خسارته الانتخابات المحلية أمام حزب “إصلاح المملكة المتحدة”، المدعوم من نايجل فاراج، والذي ركز في حملته على ملف الهجرة.

وزيرة الأعمال في حكومة الظل المحافظة، دام هارييت بالدوين، هاجمت الاتفاق قائلة: “هذه الحكومة تفرض ضرائب على العمال البريطانيين، لكنها تُخفّضها على العمال الهنود. يبدو أن هذه الاتفاقية تدعم العمالة الأجنبية على حساب المحلية”.

أما كيمي بادينوخ، التي رفضت الاتفاق حين كانت وزيرة للتجارة، فقد وصفت الإعفاءات الضريبية بأنها سياسة “من درجتين”، واعتبرت أن بريطانيا خسرت في المفاوضات مع نيودلهي.

وكتب وزير العدل في حكومة الظل، روبرت جينريك، على منصة X (تويتر سابقًا): “في بريطانيا ستارمر، يأتي العمال البريطانيون في المرتبة الأخيرة”.

من جهته، انتقد نايجل فاراج الاتفاق بشدة، وصرّح لصحيفة “ديلي ميل” قائلًا: “يُطلب من المواطنين البريطانيين الذين عملوا بجد ودفعوا الضرائب أن يمولوا رواتب منافسيهم. هذه خيانة للعمال المحليين. الاتفاق سيجعل توظيف العامل الهندي أرخص بنسبة 20% من توظيف نظيره البريطاني”.

رغم ذلك، دافع وزير الأعمال في حكومة العمال، جوناثان رينولدز، عن الاتفاق موضحًا أنه لا يعفي العمال الهنود من جميع الضرائب، إذ سيظلون ملزمين بدفع ضريبة الدخل ورسوم الرعاية الصحية، لكنه اعتبر أن فرض اشتراكات تأمين وطني على موظفين لن يستفيدوا من النظام البريطاني أمر غير عادل.

مع ذلك، يرى منتقدون أن الاتفاق يمنح الشركات البريطانية حافزًا لتوظيف العمال الهنود بدلاً من المحليين، ويُهدد بخفض الأجور وإغلاق المزيد من فرص العمل أمام البريطانيين، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية.