في واحدة من أكثر اللحظات زلزلة للمشهد الأمني والسياسي في المكسيك، جاءت اعترافات إسماعيل “المايو” زامبادا، زعيم كارتل سينالوا، أمام محكمة فيدرالية أمريكية، لتفتح أبوابًا طالما حاولت الحكومات إغلاقها. الرجل الذي ظل لأكثر من خمسين عامًا يتصدر قوائم المطلوبين، ونسج حوله الإعلام أساطير لا تقل درامية عن أفلام الجريمة، كسر صمته وأقر بوجود رشاوى ممنهجة قدمها أفراد يعملون لصالحه إلى مسؤولين رفيعي المستوى في الجيش والشرطة والسياسة المكسيكية.
“المايو” أخطر رجل في المكسيك
ورغم امتناعه عن كشف الأسماء، إلا أن مجرد الإقرار بهذه الشبكة المعقدة من الفساد، فجّر عاصفة سياسية داخل المكسيك، وجعل كثيرين يتساءلون: كم من مؤسسات الدولة كانت تعمل – ولفترة طويلة – تحت ظل “المايو”؟.

زامبادا، الذي يبلغ من العمر 76 عامًا، واجه القضاء الأمريكي لأول مرة داخل قاعة المحكمة الفيدرالية في إل باسو – تكساس، حيث دافع عن نفسه بالقول إنه غير مذنب في التهم الموجهة إليه، والتي شملت العمل الإجرامي المستمر، غسيل الأموال، وتهريب المخدرات على نطاق دولي. ويُحتجز حاليًا بدون كفالة، بانتظار جلسة استماع حاسمة للنظر في إمكانية الإفراج المشروط، من المقرر عقدها في 31 يوليو.
المال يشتري السياسة والأمن
وكانت السلطات الأمريكية قد نجحت في اعتقال زامبادا في عملية أمنية وصفت بالسرية والمعقدة، بالتوازي مع اعتقال خواكين جوزمان لوبيز، نجل “التشابو” سيئ السمعة، وهو ما اعتُبر اختراقًا كبيرًا في قلب تنظيم كارتل سينالوا، أحد أخطر التنظيمات الإجرامية في العالم.

لكن المفاجأة الكبرى جاءت من محامي زامبادا، فرانك بيريز، الذي قال في بيان مثير إن موكله لم يسلم نفسه طوعًا، بل تم اختطافه بالقوة، واتهم خواكين جوزمان لوبيز شخصيًا بالمشاركة في العملية، مدعيًا أن ستة رجال بزي عسكري قاموا بتكبيل زامبادا، وطرحوه أرضًا، ووضعوا كيسًا أسود على رأسه قبل تسليمه.
وتعود شهرة “المايو” ليس فقط إلى دوره في تأسيس كارتل سينالوا مع غريمه الشهير “التشابو” الذي يقضي حكمًا بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة، بل أيضًا إلى قدرته على الفرار من قبضة العدالة لأكثر من نصف قرن، وهو ما جعله يُلقب بـ”الشبح” داخل عالم الجريمة المنظمة. لكن مرضه الأخير الذي جعله طريح الفراش، حسب تقارير صحفية، قد يكون السبب في نهايته.

صحيفة “إنفوباى” الأرجنتينية، التي واكبت تطورات القضية، وصفت ما يجري بأنه “انكشاف غير مسبوق لعلاقة كارتلات المخدرات بالدولة العميقة في المكسيك”، مشيرة إلى أن هذه الاعترافات قد تؤدي إلى فتح ملفات كبرى داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وربما الإطاحة برؤوس كبيرة لم يكن أحد يتخيل اقتراب التحقيقات منها.
زعيم كارتل سينالوا.. إسماعيل “إلـ مايو”
ومع تصاعد الجدل، تُطرح الآن أسئلة وجودية على الدولة المكسيكية: هل كانت حربها على المخدرات حقيقية أم مجرد واجهة؟ وهل يمكن تفكيك الكارتلات دون تطهير مؤسسات الدولة أولًا؟ وبينما تحبس المكسيك أنفاسها، يظل زامبادا في قلب عاصفة قد تُغير شكل المعركة إلى الأبد.