تستمر أعداد الوفيات الناجمة عن المجاعة في قطاع غزة في الارتفاع، حيث تؤكد وزارة الصحة في غزة وفاة أكثر من 160 شخصًا جراء سوء التغذية، من بينهم 90 طفلًا على الأقل، منذ بداية الحرب.
ومع تفاقم الأزمة، يحذر خبراء من أن التعامل مع حالات سوء التغذية الحاد ليس بسيطًا كما يبدو، بل قد يؤدي تقديم الطعام بشكل غير مدروس إلى الوفاة.
يشير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)، وهو الهيئة العالمية الرائدة في تتبع الجوع، إلى أن غالبية سكان غزة يعانون من أزمة غذائية حادة، فيما تجاوز أكثر من نصف السكان مرحلة “الطوارئ” ودخلوا في “الكارثة”، وهي المرحلة الأكثر فتكًا من المجاعة.
في هذا الوضع، لا يمكن ببساطة إعطاء الجوعى الطعام والشراب مباشرة، إذ قد يتسبب ذلك في خلل قاتل داخل الجسم.
كيف يتدهور الجسم في حالات المجاعة؟
عندما يحرم الجسم من الطعام والماء لأيام، يبدأ في استخدام مخازن الطاقة لديه بدءًا من الجليكوجين، وهو مادة نشوية مخزنة في الكبد والعضلات.
توفر هذه المخازن نحو 1700 إلى 2200 سعرة حرارية، وهو ما يساعد الجسم على البقاء لفترة قصيرة دون غذاء.
بعد نفاد الجليكوجين، يبدأ الجسم بتحليل الدهون للحصول على الطاقة، وعندما تنفد الدهون، يبدأ في تحليل العضلات.
هذه العملية تضعف الجسم بشدة وتؤدي إلى تغيرات شكلية واضحة مثل الوجه المجوف والنحافة المفرطة.
تتأثر وظائف الدماغ أيضًا مع تراجع الطاقة، فيظهر على الشخص الجائع تقلبات مزاجية وضعف في التركيز وحتى الهلاوس السمعية والبصرية.
وفي المرحلة النهائية، يعاني الجائعون من ضعف حاد في الجهاز المناعي، ما يجعل العدوى القاتلة أكثر احتمالًا، ثم تبدأ وظائف القلب في الانهيار، ويهبط ضغط الدم والنبض حتى يتوقف القلب تمامًا.
الفئات الأكثر تضررًا من المجاعة
أوضح الخبراء أن الأطفال، وخاصة الرضع، والنساء الحوامل، وكبار السن، والمرضى المزمنين هم الأكثر عرضة للموت نتيجة المجاعة.
هؤلاء الأفراد يحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة وعلاج دقيق عند إدخال الطعام مجددًا إلى أجسامهم، وهو أمر شبه مستحيل في ظل انهيار النظام الصحي داخل القطاع.
علاج المجاعة: دقة طبية في ظروف مستحيلة
يشبه الأطباء عملية “إعادة التغذية” بعد المجاعة بهطول الأمطار بعد جفاف طويل؛ فالأرض المتشققة لا تمتص الماء مباشرة، وقد تتسبب الفيضانات في أضرار جسيمة.
الأمر نفسه ينطبق على الجسم الجائع، إذ أن إعطاء الطعام أو الماء بسرعة قد يؤدي إلى “متلازمة إعادة التغذية”، وهي خلل خطير في توازن السوائل والمعادن بالجسم يمكن أن يسبب فشلًا قلبيًا أو حتى الوفاة.
يحتاج المرضى الذين يعانون من سوء تغذية حاد إلى مراقبة طبية مستمرة قد تمتد لأسابيع أو أشهر.
يجب أن يُقدم للأطفال حليب علاجي مدعّم بالعناصر الغذائية، أو ما يُعرف بـ”الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام” (RUTF)، وهي أطعمة غنية بالطاقة وسهلة الهضم وتحتوي على مكونات مصممة خصيصًا لمساعدة الأطفال على التعافي.
كما يجب فحص الدم باستمرار لمراقبة مستويات الصوديوم والبوتاسيوم لتفادي أي مضاعفات قاتلة.
ومع ذلك، فإن الوضع في غزة لا يسمح بتطبيق هذا البروتوكول الطبي المثالي.
يفتقر القطاع إلى الكوادر الطبية والمستلزمات العلاجية الأساسية، ولا يتوفر النوع الصحيح من الأغذية التي يحتاجها المرضى، مما يجعل احتمالية إنقاذ الأرواح محدودة للغاية رغم تدفق بعض المساعدات.
مصر تضاعف جهودها لتدفق المساعدات الإنسانية جوًا وبرًا إلى غزة