أعلن عالم الفلك ماثيو هوبكنز من جامعة أكسفورد عن “المذنب الضيف”، خلال عرضه لنتائج دراسة حديثة في الاجتماع الوطني لعلم الفلك الذي تنظمه الجمعية الفلكية الملكية بمدينة دورهام في المملكة المتحدة.
وقال إن جرمًا سماويًا غامضًا سيقترب من الأرض خلال الأشهر القادمة، في مسار آمن، سيكون هو الزائر “البين نجمي” الأبرز حتى الآن، نظرًا لكونه الأقدم عمرًا من بين كل الأجرام التي مرت بجوار كوكبنا.
“المذنب الضيف” جرم فضائي سيمر بالأرض
وكانت وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) قد أكدت في وقت سابق اكتشاف جرم فضائي جديد يشق طريقه إلى داخل نظامنا الشمسي قادمًا من أعماق الفضاء بين النجمي، في ظاهرة نادرة تكررت فقط مرتين من قبل في تاريخ الرصد الفلكي الحديث.
وقد أُطلق على هذا الجرم اسم “3 آي-أطلس” (3I/ATLAS)، ليصبح بذلك ثالث زائر نعرفه من خارج النظام الشمسي بعد الجرم “أومواموا” الذي تم اكتشافه عام 2017، والمذنب “بوريسوف” الذي ظهر في عام 2019.
ويُعتقد أن “3 آي-أطلس” يتكوّن بنسبة كبيرة من الجليد، وهو ما يفسر تشكّل “هالة” غازية حوله عند اقترابه من الشمس، نتيجة لتسخين سطحه وبدء عمليات التبخر.
كما تشير الرصودات الحديثة إلى ظهور ذيل خلفي له، مما يُضفي عليه صفات المذنبات، ويحتمل أن يكون حجمه أكبر من سابقيه “أومواموا” و”بوريسوف”.
وقد تم رصد الجرم لأول مرة في الأول من يوليو/تموز 2025 بواسطة تلسكوب أطلس الموجود في تشيلي، حيث بدا كنقطة ضبابية تتحرك بسرعة ملحوظة وغير معتادة عند مقارنتها بحركة الكويكبات والمذنبات المحلية في النظام الشمسي.
وقد نشر المرصد الأوروبي الجنوبي مقطع فيديو قصير يوضح المسار الذي يتبعه الجرم “3 آي-أطلس” كما رصده العلماء باستخدام أدوات رصد دقيقة ومتقدمة.

“المذنب الضيف” أقدم من النظام الشمسي
وبعد متابعة دقيقة ومراقبة مستمرة لحركة الجرم، توصل العلماء إلى أن مداره يتخذ شكلاً قطعياً زائدًا، ما يعني أنه لا يدور حول الشمس مثل الكواكب والكويكبات المعتادة، بل هو مجرد عابر للنظام الشمسي في طريقه إلى الخارج مرة أخرى، في رحلة بين نجمية تُثير الكثير من التساؤلات العلمية.
وفي الدراسة التي أجراها هوبكنز وفريقه، تبيّن أن الجرم قديم للغاية، حيث قُدّر عمره بأكثر من 7 مليارات سنة، أي أنه أقدم بحوالي 3 مليارات سنة من عمر النظام الشمسي الذي يُقدر بنحو 4.5 مليارات سنة.
وتشير نتائج الدراسة إلى وجود احتمال نسبته حوالي 66% أن يكون هذا المذنب بالفعل أقدم من نظامنا الشمسي، وهو ما يُعد اكتشافًا مذهلًا وغير مسبوق.
ويعزو العلماء هذا التقدير العمري المرتفع إلى مسار الجرم الغريب في المجرة، والذي يدل على أنه جاء من منطقة تُعرف باسم “القرص السميك” لمجرة درب التبانة، وهي منطقة تُعرف باحتوائها على نجوم قديمة جدًا، تشكلت في البدايات الأولى للمجرة.
وقد أثبتت الأبحاث أن العديد من المجرات الحلزونية، مثل مجرتنا “درب التبانة”، تحتوي على نوعين من الأقراص: قرص رفيع وآخر سميك، يختلفان من حيث الخصائص الحركية والتركيبة الكيميائية.
اقرأ أيضًا:
بالصدفة.. اكتشاف مومياء عمرها 1000 عام في ليما
فالقرص الرفيع يحتوي على نجوم شابة إضافة إلى الغاز والغبار، ويستمر في تكوين النجوم حتى اليوم، بينما يتكوّن القرص السميك من نجوم فقط، وهي نجوم شديدة القدم.
ويتراوح سمك القرص الرفيع في مجرتنا بين 980 و1300 سنة ضوئية أعلى وأسفل المستوى المجري، في حين يمتد القرص السميك إلى مدى أكبر، يتراوح بين 3300 و4900 سنة ضوئية فوق وتحت نفس المستوى.
وتختلف المجموعات النجمية في هذين القرصين أيضًا؛ حيث يحتوي القرص الرفيع على نجوم حديثة التكوين نسبيًا، في حين يضم القرص السميك نجومًا يُعتقد أن أعمارها تمتد إلى مليارات السنين.
ووفقًا للنماذج الحالية، فإن القرص السميك تشكّل في وقت مبكر جدًا من تاريخ المجرة، وتوقف لاحقًا عن تكوين النجوم، بينما بدأ القرص الرفيع في التكوّن في مراحل لاحقة ولا يزال نشطًا في هذا الجانب حتى الآن.
وبذلك يُعد “3 آي-أطلس” نافذة ثمينة على الماضي السحيق لمجرتنا، وربما يحمل في مكوناته ومصدره قصصًا من فجر الكون نفسه، تنتظر من يكشفها.