تتجه الأنظار، إلى الدولة الصغيرة جيانا، الواقعة في شمال شرق أمريكا الجنوبية، حيث تُجرى انتخابات رئاسية تشكّل لحظة حاسمة في تاريخ البلاد، لا بسبب حجمها الجغرافي أو عدد سكانها، بل بسبب العوامل الثلاثة التي جعلت منها محورًا إقليميًا ودوليًا: ثروتها النفطية الصاعدة، النزاع الحدودي المشتعل مع فنزويلا، والصراع الجيوسياسي المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين.

النفط والنزاع والجيوسياسية
جيانا، ثالث أصغر دولة في أمريكا الجنوبية، أصبحت خلال سنوات معدودة واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، بفضل اكتشافات نفطية ضخمة تقودها شركة “إكسون موبيل”. ووفق التقديرات، يُتوقع أن يتجاوز إنتاجها النفطي مليوني برميل يوميًا بحلول عام 2035، وهو رقم يتفوق على إنتاج عدة دول نفطية تقليدية في المنطقة.
هذا التحول الهائل جعل من مستقبل الحكم في جيانا قضية عالمية، حيث تسعى القوى الكبرى إلى ضمان حصتها في الترتيبات السياسية والاقتصادية المقبلة.

ثلاثية تحوّل انتخابات جيانا إلى حدث دولي
الانتخابات تشهد منافسة حادة بين الرئيس الحالي إرفان علي، المنحدر من أصول هندية ومن عائلة مسلمة، والذي يسعى للفوز بولاية جديدة، في مواجهة عدد من المرشحين أبرزهم زعيم المعارضة أوبري نورتون ورجل الأعمال البارز أزور الدين محمد.
يتبنّى إرفان علي خطابًا يقوم على الاستقرار الاقتصادي والتوزيع العادل لعائدات النفط، بينما تحاول المعارضة استثمار المخاوف من “لعنة الموارد”، وتحذر من احتكار السلطة والثروة.
إقليم إيسيكويبو والنزاع مع فنزويلا
الانتخابات تُجرى في ظل تصاعد النزاع الحدودي القديم بين جيانا وجارتها فنزويلا حول إقليم إيسيكويبو، الذي يمثل نحو ثلث مساحة جيانا، ويعد غنيًا بالذهب والنفط. تصاعد هذا النزاع مجددًا بعد اكتشافات نفطية ضخمة في المنطقة، دفعت فنزويلا إلى اتخاذ خطوات أحادية، أبرزها إجراء استفتاءات محلية، ما اعتبرته جيانا تهديدًا مباشرًا لسيادتها.
وترى كاراكاس، بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو، أن الإقليم يعود إليها تاريخيًا، وتُقدمه اليوم كأولوية وطنية. في المقابل، تتمسك جيانا بدعم دولي واسع من الولايات المتحدة ودول الكومنولث، وهو ما دفعها مؤخرًا إلى تعزيز تعاونها العسكري مع واشنطن، التي باتت تعتبر جيانا شريكًا استراتيجيًا في المنطقة.

الجغرافيا والنفط والسيادة
يرى مراقبون أن نتائج التصويت لن تحدد فقط من سيحكم، بل سترسم مسار بلد يقف على مفترق طرق. فإما أن تنجح جيانا في استثمار ثروتها النفطية لصالح التنمية والعدالة الاجتماعية، أو تقع في فخ الفساد والصراع السياسي، في تكرار مأساوي لتجارب دول كثيرة غرقت في “لعنة الموارد”.
في الوقت ذاته، تتابع العواصم الكبرى الانتخابات عن كثب، إذ تحاول كل من الولايات المتحدة والصين تعزيز نفوذها في بلد أصبح فجأة لاعبًا مهمًا في سوق الطاقة العالمية.
محكمة العدل الدولية تدخل المشهد
نتيجة التوتر المتصاعد، تدخلت محكمة العدل الدولية في النزاع الحدودي، لمنع أي خطوات أحادية قد تفجّر الوضع، في وقت تحذر فيه تقارير استخباراتية من إمكانية انزلاق النزاع إلى مواجهات محدودة، خاصة في ظل وجود أطراف داخل فنزويلا تسعى لتصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج.
انتخابات جيانا لم تعد شأنًا داخليًا، بل تحوّلت إلى حدث مفصلي تتقاطع فيه الجغرافيا بالثروات، والنزاعات الإقليمية بالتجاذبات الدولية. والنتائج لن تُحدد فقط من يجلس على كرسي الرئاسة، بل سترسم مستقبل بلد ناشئ يقف عند بوابة التحول الجذري في تاريخه.