عُرف شعب الماوري، السكان الأصليون لنيوزيلندا، بمجتمعها الطبقي الصارم، حيث كان الزعماء والقادة وأبناء الطبقات العليا وحدهم من يحق لهم الحصول على وشم الوجه، وهي عادة مقدسة تعكس مكانة الشخص ورفعة منزلته الاجتماعية.
لكن خلف هذه الرمزية الجمالية، تخبئ حضارة الماوري وجهاً أكثر إثارة للرعب والدهشة.

الوجه المظلم لتاريخ شعب الماوري
في عام 1809، وقعت “مذبحة بويد”، والتي شكلت واحدة من أكثر الحوادث دموية في تاريخ المواجهة بين الماوري والمستعمرين الأوروبيين. بدأت القصة حين أقدم أحد قبطان السفن على جلد نجل أحد زعماء القبائل الماورية، فما كان من الماوري إلا أن انتقموا شر انتقام، فقتلوا طاقم السفينة بالكامل.
لكن الرعب الحقيقي الذي بثته هذه الواقعة في نفوس المستعمرين لم يكن في عدد القتلى، بل في الشائعات التي انتشرت حول التهام الماوري لجثث أعدائهم، وهي روايات وإن كانت مثيرة، إلا أن الواقع حمل تفاصيل أكثر قسوة.

الاحتفاظ برؤوس الزعماء
اشتهر الماوري بعادة مروعة ومثيرة للجدل، تمثلت في الاحتفاظ برؤوس زعمائهم وشخصياتهم البارزة بعد وفاتهم. لم يكن الأمر مجرد تقليد عابر، بل طقس معقد يمر بعدة مراحل دقيقة لتحنيط الرأس وتحويله إلى ما يُعرف بـ”رؤوس الموكوموكاي”.
تبدأ العملية بإزالة الدماغ والعينين، ثم تُغلق جميع الفتحات باستخدام ألياف الكتان والصمغ. بعد ذلك، يُطهى الرأس أو يُغلى، ثم يُدخن ويُجفف تحت أشعة الشمس لأيام عدة. وفي المرحلة الأخيرة، يُدهن الرأس بزيت مستخرج من كبد سمك القرش، ليُحفظ بتلك الطريقة التي حولته إلى قطعة أثرية نادرة ومقدسة.
كانت هذه الرؤوس المحنطة تُحتفظ بها في صناديق مزخرفة داخل منازل العائلات، ولا تُخرج إلا في المناسبات الدينية والاحتفالات المقدسة. لكن ما كان له بعد روحي لدى الماوري، سرعان ما تحول إلى سلعة ثمينة في زمن الحرب، إذ سعى الأعداء إلى سرقة هذه الرؤوس كغنائم حرب.
وخلال حروب المسكيت التي دارت بين عامي 1807 و1842، تحولت هذه الرؤوس إلى تجارة مربحة، حيث كان الأوروبيون يعرضون الأسلحة مقابل الحصول على رؤوس محنطة من الماوري، بل وصلت قيمتها لدرجة أن بعض القبائل كانت تستخدمها كوسيلة للمصالحة وتوقيع معاهدات السلام بإعادتها إلى أصحابها.
إن تاريخ الماوري، رغم ما يختزنه من إرث حضاري وروحي، لا يخلو من صفحات دامية وطقوس مثيرة للرعب، تجعل من دراسة هذا الشعب الأصلي رحلة فريدة إلى أعماق التاريخ الإنساني بأكثر صوره إثارة ودهشة.