تمضي الحكومة البريطانية قدمًا في تنفيذ اتفاق تاريخي للتنازل عن جزر تشاجوس لمصلحة جمهورية موريشيوس، في خطوة يُنظر إليها على أنها نهاية لآخر موقع استعماري لبريطانيا في القارة الإفريقية، لكنها فجّرت جدلًا سياسيًا حادًا بشأن التكلفة الحقيقية للاتفاق.

أرقام متضاربة.. والحكومة متهمة بتضليل البرلمان
وبحسب صحيفة ذا تليجراف البريطانية، فإن التكلفة الإجمالية للاتفاق تبلغ نحو 35 مليار جنيه إسترليني، وهو مبلغ يفوق بكثير الرقم الذي أعلنه رئيس الوزراء كير ستارمر سابقًا، والمقدّر بـ 3.4 مليار جنيه فقط.
ويواجه وزراء حزب العمال اتهامات بـ”التضليل المحاسبي”، حيث يُعتقد أنهم لجأوا إلى خدعة مالية لتقليل الرقم المعلن، عبر احتساب معدل تضخم سنوي بنسبة 2.3% على مدى 99 عامًا، ما أدى إلى تخفيض الرقم ظاهريًا.
اتفاقية مع الحفاظ على القاعدة العسكرية
وبموجب شروط الاتفاق، ستتنازل المملكة المتحدة عن السيادة على جزر تشاجوس، بينما تحتفظ بقاعدة دييجو جارسيا العسكرية، التي تُعد من المواقع الاستراتيجية الهامة للقوات البريطانية والأمريكية منذ سبعينيات القرن الماضي.
لكن المعاهدة تنص على ضرورة مشاركة بريطانيا المعلومات الحساسة مع موريشيوس، بما في ذلك تحركات السفن والطائرات، وأي عمليات عسكرية تُنفذ انطلاقًا من القاعدة.
اتهامات من المعارضة: خدعة محاسبية وثقب في الميزانية
قالت بريتي باتيل، وزيرة الخارجية في حكومة الظل: “بدلًا من الاعتراف بالتكاليف الحقيقية، استخدم حزب العمال خدعة محاسبية لخفض الرقم إلى 3.4 مليار جنيه فقط، وهو تضليل مرفوض لدافعي الضرائب”.
من جهتها، وصفت كيمي بادينوك، زعيمة حزب المحافظين، الصفقة بأنها “خسارة استراتيجية واقتصادية”، مضيفة: “استسلام حزب العمال بشأن تشاجوس يُكلف البلاد 35 مليار جنيه إسترليني، ويضاف إلى ثقب مالي قدره 50 مليارًا أحدثته إدارة ستارمر، مما يفاقم أزمة تكلفة المعيشة”.
الحكومة تدافع: القاعدة ضرورية للأمن القومي
وفي رد رسمي، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية إن قاعدة دييجو جارسيا تُعد ضرورية للأمن الوطني، ولحماية مصالح المملكة المتحدة وحلفائها، مشددًا على أهمية استمرار التعاون الدفاعي في المحيط الهندي.
اقرأ أيضًا:
كوريا الجنوبية ترفض خطة إسرائيل لاحتلال قطاع غزة وتحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية
قلق من النفوذ الصيني والروسي في موريشيوس
أشارت ذا تليجراف إلى أن المعاهدة أثارت قلقًا أمنيًا واستراتيجيًا، في ظل توسيع موريشيوس علاقاتها الخارجية، بما في ذلك شراكات حديثة مع روسيا وقنوات تواصل مع الصين وإيران.
وتابعت الصحيفة أن الصين رحبت بالمعاهدة فور توقيعها، بينما أصدرت كل من إيران وروسيا بيانات داعمة لموريشيوس بشأن سيادتها على جزر تشاجوس.
إغلاق صفحة استعمارية.. لكن بتكلفة باهظة
ويُنظر إلى قرار التنازل عن الجزر باعتباره إغلاقًا لآخر موقع استعماري لبريطانيا في إفريقيا، لكن المعارضة البريطانية تصر على أن الثمن باهظ، وأن الأرقام المعلنة لا تعكس الواقع.
ويُتوقع أن يواصل المحافظون الضغط على حكومة حزب العمال لكشف التفاصيل الكاملة للاتفاق أمام البرلمان والرأي العام، وسط انتقادات لغياب الشفافية المالية في واحدة من أكبر صفقات التنازل في التاريخ البريطاني الحديث.