بين سواحل مجهولة ومستقبل غامض، يقف آلاف المهاجرين في بريطانيا على حافة المجهول، تتقاذفهم أمواج السياسة كما تتقاذفهم مياه القنال الإنجليزي. ففي وقت يتصاعد فيه الخطاب المتشدد ضدهم، وتُطرح سياسات ترحيل واحتجاز غير مسبوقة، يبدو أن الحلم البريطاني يتحوّل إلى كابوس بارد داخل مراكز احتجاز مغلقة، أو إلى قرار ترحيل يُطوى دون رجعة.
ففي خضم سباق انتخابي محموم في بريطانيا وصعود لافت لتيارات اليمين المتطرف، أصبح المهاجرون الحلقة الأضعف في معركة السلطة، تُرسم مصائرهم داخل قاعات المؤتمرات وليس وفق مبادئ العدالة والإنسانية. ومع تعهدات زعيم حزب الإصلاح، نايجل فاراج، بترحيل “الجميع دون استثناء”، لم يعد السؤال فقط عن حقوق المهاجرين، بل عن ملامح الدولة التي تسير نحو فك ارتباطها الكامل بالقانون الدولي.

المهاجرون ومواجهة المصير المجهول في بريطانيا
في تصعيد غير مسبوق تجاه ملف الهجرة داخل بريطانيا، أعلن نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح اليميني المتشدد في المملكة المتحدة، عن سلسلة من السياسات الصارمة التي سيتبناها حزبه إذا وصل إلى السلطة، على رأسها الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والترحيل الفوري لأي شخص يدخل البلاد بشكل غير قانوني، بمن فيهم النساء والأطفال.
جاءت تصريحات فاراج، خلال مؤتمر صحفي عقده في ظل تصاعد الجدل الشعبي والسياسي حول تزايد أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى السواحل البريطانية عبر القنال الإنجليزي، ووسط احتجاجات مستمرة على استخدام الفنادق لإيواء طالبي اللجوء، ما اعتبره فاراج مؤشرًا على “تهديد حقيقي للنظام العام”.
وقال فاراج: “إذا أتيت إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، فسيتم احتجازك وترحيلك ولن يُسمح لك أبدًا بالبقاء. نقطة من أول السطر”، مضيفًا أن المزاج العام في البلاد بات “خليطًا بين اليأس والغضب”.

ورغم امتلاك حزب الإصلاح أربعة مقاعد فقط في البرلمان البريطاني من أصل 650، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أن شعبيته في تصاعد ملحوظ، حتى أنه بات ينافس الأحزاب التقليدية الكبرى — حزب العمال الحاكم والمحافظين — في بعض الدوائر، عبر خطابه المتشدد واستغلاله لحالة السخط الشعبي تجاه فشل الحكومات المتعاقبة في الحد من الهجرة غير النظامية.
وفي تحول مثير للجدل، شدد فاراج على أن سياسة الاحتجاز والترحيل ستشمل الجميع دون استثناء، قائلاً: “النساء والأطفال… سيتم احتجاز الجميع عند وصولهم”، رغم اعترافه بأن قضية الأطفال “أكثر تعقيدًا”.
وبينما لم يقدم تفاصيل واضحة حول كيفية تنفيذ هذه السياسات على الأرض، كشف فاراج عن نيته توسيع سعة مرافق الاحتجاز، وتأمين اتفاقيات مع دول مثل أفغانستان، إريتريا، وإيران لإعادة المهاجرين، ما يطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية بشأن جدوى مثل هذه الخطط ومدى توافقها مع القانون الدولي.
تهديدات بتعطيل جميع المعاهدات والالتزامات الدولية
كما تعهد بتعطيل أو إلغاء جميع المعاهدات والالتزامات الدولية التي تمنح الحماية لطالبي اللجوء، في خطوة وصفها مراقبون بأنها انقلاب شامل على منظومة حقوق الإنسان في بريطانيا.
اتهم فاراج المهاجرين بأنهم سبب رئيسي في أزمات مثل الضغط على قطاع الصحة العامة، نقص السكن، وارتفاع تكاليف المعيشة، في محاولة لربط الهجرة بجميع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.
وفي خطابه الأخير، كرر عبارته المثيرة للجدل بأن “المملكة المتحدة تتعرض لغزو”، في إشارة إلى أعداد المهاجرين، وهو توصيف قوبل بانتقادات واسعة من جهات حقوقية وأكاديمية، لكنه يبدو أنه وجد صدى لدى شرائح من الرأي العام البريطاني القلقة من تأثيرات الهجرة.
ويقول محللون إن صعود نبرة العداء للمهاجرين في الخطاب السياسي، وتنامي حضور حزب الإصلاح في استطلاعات الرأي، يعكس تحولاً عميقًا في المزاج السياسي البريطاني، قد يُغيّر شكل السياسة الداخلية خلال المرحلة القادمة، خاصة إذا استمرت الأحزاب الكبرى في تجاهل هذه القضايا أو عجزت عن تقديم بدائل فعالة.
اقرأ أيضا.. ملف النووي يقترب من الانفجار.. وتحذيرات إيرانية: زمن الصمت انتهى