أعاد الهجوم الإسرائيلي الواسع الذي طال العمق الإيراني، ضمن ما بات يُعرف بعملية “الأسد الصاعد”، الجدل حول قدرة إيران على تطوير قنبلة نووية في السر، خاصة بعد سلسلة من العمليات التي كشفت هشاشة المنظومة النووية والأمنية الإيرانية أمام تفوق الاستخبارات الإسرائيلية.
الاختراق الأمني الأخطر منذ عقود
ووفقًا لشبكة NBC News الأميركية، فإن عملية الأسد الصاعد الأخيرة أكدت أن إسرائيل نجحت في اختراق عميق للبرنامج النووي الإيراني، من خلال تنفيذ ضربات دقيقة استهدفت منشآت استراتيجية، واغتيال عدد من العلماء النوويين وقادة الحرس الثوري الإيراني.

وأبرز هذه العمليات كانت اغتيال محسن فخري زاده، مهندس مشروع “عماد” النووي السري، الذي تم استهدافه عام 2020 عبر رشاش يتم التحكم به عن بُعد، أثناء عودته لمنزله في ضواحي طهران.
وخلال الحرب التي استمرت 12 يوما بين إسرائيل وإيران، قُتل عدد كبير من كبار العلماء النوويين والضباط العسكريين الإيرانيين، في واحدة من أعنف الهجمات التي طالت البنية التحتية الدفاعية والعلمية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية.
المعضلة النووية: ثلاث خيارات مُرة
رغم الضربات المؤلمة، تمسكت إيران بموقفها من البرنامج النووي، لكن بحسب الشبكة الأميركية، فإن صناع القرار في طهران يواجهون اليوم معضلة استراتيجية، تنحصر في ثلاث خيارات صعبة:
الدخول في تسوية سياسية “مؤلمة” مع واشنطن.
التخلي عن الطموحات النووية بالكامل.
إحياء المشروع النووي السري الذي جُمِّد قبل عام 2003.
هل تستطيع إيران بناء قنبلة نووية سراً؟
يرجح تقرير NBC News أن إيران غير قادرة على تطوير سلاح نووي بعيدًا عن أعين إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك بفضل التفوق الاستخباراتي الذي تمتلكه تل أبيب.

ويقول إريك بروير، وهو مسؤول استخبارات أميركي سابق: “التحدي الحقيقي أمام إيران ليس في التقنية، بل في الحفاظ على السرية وسط اختراق استخباراتي غير مسبوق”.
أما مارك بوليميروبولوس، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، فأوضح: “لدى إسرائيل تفوق استخباراتي تام على إيران… وأي تهديد سيُرصد ويتعاملون معه فورًا، سواء عبر عمليات عسكرية أو سرية”.
الأرشيف المسروق.. وفضح المشروع السري
التقارير تشير إلى أن الموساد الإسرائيلي سرق عام 2018 أرشيفًا نوويًا سريًا من طهران، كشف أن إيران خططت لصنع خمس قنابل نووية. ورغم ذلك، تنفي طهران باستمرار وجود برنامج عسكري لتصنيع الأسلحة النووية.
إيران تراهن على “الردع النووي”
بحسب خبراء الأمن، فإن الحافز الأكبر وراء سعي إيران لتطوير سلاح نووي هو ضمان الردع، وتأمين النظام ضد التهديدات الإقليمية والدولية.
ويشير التقرير إلى أن دولًا عدة بنت ترساناتها النووية سرًا، مثل الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وإسرائيل، التي ما تزال حتى اليوم لا تؤكد رسميًا امتلاكها أسلحة نووية، لكنها تعتمد عليها ضمنيًا في فرض معادلات الردع.
اقرأ أيضًا:
جواسيس وتقنيات الذكاء الاصطناعي.. أسوشيتيد برس تكشف كيف خططت إسرائيل ونفذت هجومها على إيران
إمكانيات إعادة الإعمار النووي قائمة.. لكن!
رغم الدمار الكبير الذي لحق بالمنشآت النووية الإيرانية، خصوصًا في نطنز، فوردو، وأصفهان، يرى الخبراء أن إيران لا تزال تحتفظ بخبرة فنية ومخزونات من اليورانيوم المخصب وأجهزة طرد مركزي، ما يمنحها القدرة على إعادة بناء البرنامج النووي على المدى البعيد.

غير أن الضربة الإسرائيلية كانت دقيقة ودمّرت منشأة تحويل اليورانيوم إلى حالته الصلبة في أصفهان، وهي خطوة رئيسية في عملية تصنيع القنبلة. وبدون هذا المرفق، يقول التقرير إن طهران عاجزة تقنيًا عن الوصول إلى السلاح النووي في المستقبل القريب.
في تحدٍّ واضح، كتب علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني، عبر منصة “إكس”: “حتى مع افتراض تدمير المنشأة بالكامل، فإن اللعبة لن تنتهي. المواد المخصبة والخبرة السياسية باقية… والمفاجآت ستستمر”.
قنبلة إيران بين الواقع والوهم
في ظل الضربات النوعية التي طالت قلب البرنامج النووي، والاختراق الاستخباراتي المتكرر، تبدو قدرة إيران على صنع قنبلة نووية في السر أقرب إلى الوهم منها إلى الواقع، خاصة مع تعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بقصف أي منشأة تعود لتخصيب اليورانيوم.
وفي وقت تخشى فيه إيران من تكرار الضربات الإسرائيلية الأمريكية، فإنها باتت تدرك أن القوة النووية لم تعد مجرد خيار استراتيجي، بل معركة وجود.. معركة لن تُخاض في الظل، بل تحت المجهر الإسرائيلي.