- تتواصل الاحتجاجات داخل إسرائيل ضد استمرار حرب الإبادة على غزة بوتيرة متصاعدة، ليس من جانب أسر الأسرى لدى حماس، أو المظاهرات الأسبوعية، أو أمهات جنود في الخدمة النظامية، أو أساتذة جامعات فقط، وإنما من جانب أفراد في المؤسسة العسكرية، نفسها.
بدأت الاحتجاجات بعريضة وقع عليها نحو ألف من أفراد الاحتياط بسلاح الجو، من بينهم قادة بارزون متقاعدون، منهم رئيس أركان سابق وقائد لسلاح الجو، وأفراد مايزالون في الخدمة، تلتها توقيعات من أفراد في سلاح المدرعات، وسلاح البحر، وخريجين وأفراد احتياط في الوحدة 8200 بسلاح الاستخبارات.
يرفض الموقعون على عرائض الاحتجاج استمرار الحرب لكونها تخدم في رأيهم، مصالح شخصية وسياسية لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ولإئتلافه الحاكم فقط، ولا تخدم أي هدف من الأهداف التي حددها المجلس الوزاري المصغر ـ الكابينيت ـ للحرب، خاصة هدف إطلاق سراح الأسرى. إلى جانب رفض حركة الاحتجاج المتصاعدة استمرار الحرب لكونها تخدم مصالح نتنياهو، فإن ثمة أسباباً أخرى تقف وراء رفض استمرارها، منها:
1ـ أن هناك زيادة مطردة في نسب عدم امتثال أفراد الاحتياط للخدمة، وهو اتجاه قد يؤثر سلباً على قدرات الجيش في المستقبل. في هذا الصدد تؤكد معطيات منظمة “يوجد حد” أن موجة الاحتجاجات الحالية تعد الأوسع منذ الحرب الإسرائيلية الأولى على لبنان عام 1982م، وأن هناك ما بين 150 إلى 160 حالة رفض للخدمة لأسباب أيديولوجية منذ أكتوبر 2023م، وأن هناك في مقابل كل رافض واحد معلن ما بين 8ـ 10 رافضين غير معلنين.
والمثير في الأمر أن الرافضين ليسوا يساريين، أو متعاطفين مع الفلسطينيين، كما كان معتاداً في حالات الرفض السابقة للخدمة، وإنما منتمون إلى تيار الوسط، وهو تطور نوعي في مسألة الرفض. وقد أظهرت تقارير، نشرت في الصحافة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في نسبة التجند للخدمة الاحتياطية، تصل إلى نسبة 50% وعن لجوء وحدات عسكرية إلى استدعاء جنود الاحتياط عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
2 ـ من الأسباب المهمة لرفض استمرار الحرب فقدان الثقة في القيادة السياسية، التي وعدت بتحقيق أهداف الحرب، لكنها فشلت في تحقيق هدف واحد فقط منها. كل ما نجحت في تحقيقه هو إبادة، وتدمير وتشريد وطرد، واغتيالات، وقتل للمدنيين، وانتقام.
3 ـ من أهم الأسباب، إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على تمرير قانون إعفاء الحريديين ـ المتدينين الأرثوذكس ـ من الخدمة، لضمان بقائهم ضمن الائتلاف الحكومي، رغم اعتراض قطاعات عريضة من السياسيين والنخب الإسرائيلية، وإحساس العسكريين من غير الحريديين بأن حكومة نتنياهو تكيل بمكيالين وتميز بين أفراد المجتمع الإسرائيلي.
4 ـ رفض استمرار الحرب بوصفها مشروعاً يخص طائفة المتدينين المتطرفين، الغيبويين، الماشيحانيين، التوسعيين، ممن يؤمنون بما يسمى “أرض إسرائيل الكاملة”. يشعر الرافضون أن هذه الحرب ليست حربهم.
5 ـ ثمة سبب اقتصادي لرفض استمرار الحرب، يتمثل في الضرر الذي أصاب أفراد الاحتياط نتيجة استدعائهم لفترات قد تصل إلى 300 يوم في العام، ما أدى إلى تضرر دخلهم المادي، وتعطل أشغالهم، وفقدان بعضهم لوظائفهم، حيث تشير معطيات رسمية إلى أن 48% من جنود الاحتياط تعرضوا لتراجع كبير في دخلهم، فيما اضطر نحو 41% منهم إلى ترك وظائفهم أو فصلوا منها.
ولأن ظاهرة رفض استمرار الحرب تعبر عن رأي قطاعات كبيرة من المجتمع وتأخذ زخما في صفوف أفراد الاحتياط وفي قطاعات أخرى من المدنيين، ومرشحة للتصاعد، وقد تهز عرش نتنياهو وائتلافه الحاكم، فإنها تعرضت لانتقاد لاذع من جانبه، يظهر تخوفه من تفاقمها، إذ قال عنها: “هذا ليس زخماً. ليس تياراً. إنهم حفنة صغيرة ، صاخبة وفوضوية ومنعزلة من المتقاعدين ـ السواد الأعظم منهم لا يؤدون الخدمة منذ سنوات. هذه الأعشاب الضارة تحاول إضعاف دولة إسرائيل والجيش، وتشجع أعداءنا على النيل منا”.