في خطوة غير مسبوقة، قاد وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتامار بن غفير، مجموعة من المصلين اليهود في الصلاة على قبة الحرم القدسي الشريف يوم الأحد، بمناسبة صوم يوم التاسع من آب.
وهي المرة الأولى التي يصلي فيها وزير في الحكومة علنًا في هذا الموقع المتوتر، منتهكًا بذلك الوضع الراهن.
الحرم القدسي الشريف، يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، من أكثر بؤر التوتر توترًا في الشرق الأوسط، وقد أثارت تصرفات بن غفير إدانات حادة من السلطة الفلسطينية والأردن والمملكة العربية السعودية.
بن غفير يقيم صلاة يهودية علنية
أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيانًا ردًا على زيارة بن غفير، مؤكدًا أن “سياسة إسرائيل في الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف لم تتغير ولن تتغير”.
منذ توليه حقيبة الأمن القومي عام ٢٠٢٢، دأب السياسي القومي المتطرف على تأكيد أن سياسته هي السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي الشريف، منتهكًا بذلك الوضع الراهن القائم منذ زمن طويل بين إسرائيل والأردن، الذي يدير الموقع من خلال دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس.
ووفقًا للاتفاق غير المكتوب، يُسمح لليهود بزيارة الموقع، لكن يُمنعون من الصلاة فيه.
انتهك بن غفير هذا الفهم بوقاحة يوم الأحد أثناء تأديته صلاة “العميدا” بصوت عالٍ لعشرات اليهود الآخرين الذين يحتفلون بذكرى خراب الهيكلين اليهوديين اللذين كانا يقعان على قمة الحرم القدسي الشريف في العصور القديمة.
ورغم أن دائرة الأوقاف تُشرف على المجمع نفسه، إلا أن مداخله مُجهزة بأفراد من الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود.
بن غفير يقيم صلاة بالحرم القدسي
وكان الوزير، الذي يُشرف على الشرطة، محاطًا بضباط أثناء دخوله الموقع وتجواله فيه. اعتقلت الشرطة رجلاً عربياً صرخ على بن غفير ومجموعة من المصلين، وفقاً لقناة “أروتز 7” الإخبارية الإسرائيلية.
ولم تعلق الشرطة على الاعتقالات.
ووفقاً لهيئة الأوقاف، كان بن غفير من بين نحو 1250 مصلياً يهودياً صعدوا إلى الحرم القدسي صباح الأحد.
ورافق رئيس حزب بن غفير، وزير النقب والجليل والصمود الوطني، إسحاق فاسرلاوف، المنتمي إلى حزب “عوتسما يهوديت” القومي المتطرف.
كما زار النائب عن حزب الليكود، أميت هاليفي، الحرم القدسي، وصُوّر إلى جانب عدد من الإسرائيليين اليهود الآخرين وهم يرددون النشيد الوطني “هتكفا” وهم يحملون الأعلام الإسرائيلية أمام الدرجات المؤدية إلى قبة الصخرة.
في غضون ذلك، تعهد وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، بأن تُعزز إسرائيل قبضتها على المكان المقدس “إلى الأبد”.
في منشور على موقع X، نشر كاتس صورًا له وهو يزور الحائط الغربي ويلتقط صورًا مع جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، مُعلنًا أنه يدعو من أجل عودة الرهائن، والسلام للمجتمعات الإسرائيلية، والدفاع عن قوات الأمن، وهزيمة حماس.
وكتب: “في ذكرى تيشا بآب، وبعد ألفي عام من تدمير الهيكل الثاني، عاد الحائط الغربي وجبل الهيكل إلى سيادة دولة إسرائيل”.
وأضاف: “يواصل كارهو إسرائيل حول العالم اتخاذ القرارات ضدنا والاحتجاج، وسنعزز قبضتنا وسيادتنا على القدس، والحائط الغربي، وجبل الهيكل، إلى الأبد”.
بن غفير أمام قبة الصخرة
وبعد أن أمّ صلاة الفجر، وقف بن غفير أمام قبة الصخرة، مطالبًا إسرائيل بفرض “السيادة والحكم” على جبل الهيكل.
وقال إن “مقاطع الفيديو المروعة لحماس” – اللقطات المروعة التي نشرتها الجماعة الإرهابية في الأيام الأخيرة للرهينتين روم براسلافسكي وإفيتار ديفيد – تهدف إلى الضغط على إسرائيل.
من هنا تحديدًا، يجب أن نبعث برسالة مفادها أننا اليوم نحتل قطاع غزة بأكمله، ونعلن سيادتنا عليه، ونقضي على جميع أعضاء حماس، ونشجع الهجرة الطوعية [للغزيين]. بهذه الطريقة فقط سنعيد الرهائن ونحقق النصر في الحرب، هذا ما أعلنه أمام الكاميرا.
قبل تولي بن غفير منصب وزير الأمن القومي، دأبت الشرطة الإسرائيلية على طرد أو احتجاز الزوار اليهود الذين يُضبطون وهم يصلون في الحرم القدسي الشريف. وقد تلاشت هذه السياسة على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث أصبح الضباط أكثر تسامحًا مع الصلاة المحدودة والسرية.
زار بن غفير الحرم القدسي الشريف مرات عديدة في زيارات حظيت بتغطية إعلامية واسعة منذ انضمامه إلى حكومة نتنياهو الحالية، لكن يوم الأحد كان المرة الأولى التي يصلي فيها هو – أو أي وزير – علنًا هناك ضمن “المينيان”، وهو نصاب من 10 رجال يهود.
في الماضي، أثار إصرار السياسي المتطرف على تشجيع الصلاة في الحرم القدسي الشريف ردود فعلٍ مُقلقة من نتنياهو، الذي عادةً ما يسارع إلى نفي تصريحات شريكه في الائتلاف، مُصرّاً على أن الوضع الراهن لم يتغير.
اقرا ايضا:
بلجيكا تُسقِط أول دفعة مساعدات على غزة بالتعاون مع الأردن
علاوةً على ذلك، لطالما حرّمت العديد من السلطات الدينية اليهودية زيارة الحرم القدسي الشريف، خشيةً من وطء أرضٍ مقدسةٍ وهي غير طاهرةٍ طقوسياً.
تُثير التغييرات في الوضع الراهن للحرم القدسي الشريف مشاعر جياشة، وكثيرًا ما يُستشهد بها كدافع إسلامي للعنف الديني.
وأثارت زيارة بن غفير استنكارًا من السلطة الفلسطينية، حيث صرّح متحدث باسم الرئيس محمود عباس بأنها “تجاوزت جميع الخطوط الحمراء”.
وقال نبيل أبو ردينة في بيان: “على المجتمع الدولي، وتحديدًا الإدارة الأمريكية، التدخل فورًا لوضع حد لجرائم المستوطنين واستفزازات حكومة اليمين المتطرف في المسجد الأقصى، ووقف الحرب على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية”.
وأدان الأردن، الوصي على الموقع، زيارة الوزير ووصفها بأنها “استفزاز غير مقبول، وتصعيد مُستنكر”. وأشار البيان الأردني إلى أن الشرطة رافقت الوزير أثناء جولته في الموقع، مؤكدًا أن إسرائيل “لا سيادة لها على المسجد الأقصى المبارك”.
كما أدانت المملكة العربية السعودية هذه الخطوة، متهمةً إياها بأنها “تؤجج الصراع في المنطقة”.
