في خضم تصاعد الحرب على غزة، برز خبر لافت عن اجتماع جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصهره ومستشاره السابق جاريد كوشنر، إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
الاجتماع لم يكن بروتوكولياً بقدر ما عكس مشاورات مغلقة حول مستقبل القطاع، في وقت تواصل فيه إسرائيل تكثيف عملياتها العسكرية، معلنة أن “المراحل الأولى للهجوم اكتملت”، ومؤكدة عزمها على تفكيك حماس عسكرياً وإدارياً.

إسرائيل وحماس.. حرب تتحول إلى استنزاف
إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحرب ستنتهي كما بدأت بدا أشبه بشعار سياسي، بينما اعترف الجيش الإسرائيلي بأن المواجهة أخذت طابع “حرب عصابات”.
في المقابل، أعلنت حركة حماس حالة التأهب القصوى، محذرة من أن مصير أي رهينة إسرائيلي سيكون كمصير المقاتلين في الميدان.
هذا المشهد يعكس مأزقاً عسكرياً متزايد التعقيد، يضاف إليه نزيف داخلي في إسرائيل، حيث ترى المعارضة أن نتنياهو يوظف الحرب للبقاء في السلطة وسط مظاهرات حاشدة تتهمه بالفشل.
نزوح قسري وكارثة إنسانية تلوح في الأفق
تقرير الأونروا كشف عن نزوح جماعي غير مسبوق، بعد أن دعت إسرائيل نحو 1.2 مليون فلسطيني للنزوح جنوباً إلى مناطق لا تتجاوز مساحتها 7 كيلومترات مربعة، بعضها غير آمن.
هذا الواقع يضع أكثر من مليون فلسطيني أمام خطر الجوع والمرض والتشريد القسري، في وقت يحذر فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من تحول الطعام إلى “سلاح حرب”.
خلافات إسرائيلية داخلية تضغط على مسار الحرب
الخلاف بين رئيس الأركان الإسرائيلي ونتنياهو برز بشكل واضح، إذ يحاول الجيش إدارة العمليات بمعايير عسكرية، بينما يصر نتنياهو على التصعيد تحت شعار “عودة المخطوفين”، رغم أن معظم من أعيدوا عادوا جثثاً.
هذه الانقسامات تعزز غضب الشارع الإسرائيلي، وتكشف أن الحرب لها بعد سياسي داخلي لا يقل خطورة عن بعدها العسكري.
واشنطن ولندن ترسمان ملامح “اليوم التالي لـ غزة”
وفق مصادر أميركية، ناقش بلير وكوشنر مع ترامب أفكاراً حول إدارة غزة من دون حماس، ما يوضح أن التصعيد العسكري على الأرض يجري بالتوازي مع ترتيبات سياسية خلف الكواليس.
الهدف الظاهر: إضعاف حماس وخلق فراغ سياسي يُملأ ببديل مقبول دولياً، في إطار إعادة صياغة واقع غزة.
الإقليم.. حسابات معقدة وفرص متاحة لإسرائيل
الحرب تجري في سياق إقليمي متشابك؛ فإيران، بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، باتت أقل قدرة على دعم حماس، فيما يواجه حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والحشد الشعبي في العراق ضغوطاً داخلية متزايدة بشأن السلاح.
هذه المعطيات تقلل من قدرة المحور الداعم لحماس على التدخل المباشر، ما يمنح إسرائيل هامش مناورة أوسع.
مصر.. جدار صد أمام مشاريع التهجير
الموقف المصري ظل ثابتاً منذ البداية: لا قبول بأي خطة لتهجير الفلسطينيين.
القاهرة حذرت من أن أي دخول إسرائيلي إلى أراضيها سيقود إلى نتائج كارثية، وهو ما يجعلها لاعباً محورياً في رسم ملامح ما بعد الحرب، خاصة في مواجهة الضغوط الرامية إلى دفع الفلسطينيين خارج القطاع.
الأمم المتحدة.. اختبارات للنظام الدولي
إلى جانب التصعيد العسكري، تتحرك واشنطن لإقصاء الفلسطينيين من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما اعتبره خبراء “انتهاكاً للقانون الدولي”.
في المقابل، يرى مراقبون أن ما يجري في غزة يمثل اختباراً وجودياً للنظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضًا:
قضية تجسس جديدة داخل الجيش الأميركي.. واشنطن تتهم الصين بحملة ممنهجة
خلاصة المشهد وأبعار المعركة
الحرب على غزة لم تعد مجرد مواجهة عسكرية، بل باتت معركة متعددة الأبعاد:
ميدانياً: إسرائيل تسعى لإضعاف حماس لكنها تصطدم بحرب استنزاف.
إنسانياً: كارثة نزوح ومجاعة تلوح في الأفق.
سياسياً: مشاورات أميركية – بريطانية حول إدارة غزة بعد الحرب.
إقليمياً: ضغوط على داعمي حماس تفتح هامشاً أكبر أمام إسرائيل.
مصر: لاعب محوري يعرقل خطط التهجير.
الاجتماع الذي جمع ترامب وكوشنر وبلير ليس تفصيلاً عابراً، بل جزء من لوحة أكبر يتقاطع فيها العسكري بالسياسي، ويعيد رسم ملامح القضية الفلسطينية في واحدة من أكثر لحظاتها خطورة وتعقيداً.