في خطوة وصفت بأنها الأكثر تصعيدًا منذ سنوات، أعلنت تركيا قطع جميع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، احتجاجًا على استمرار الحرب في غزة وما اعتبرته “انتهاكات جسيمة بحق الشعب الفلسطيني”. القرار الذي أعلنه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمام البرلمان، مساء الجمعة، يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر بين الجانبين، ويثير تساؤلات حول الانعكاسات الاقتصادية والسياسية لهذه الخطوة غير المسبوقة.

تفاصيل القرار التركي

خلال جلسة استثنائية للبرلمان التركي، قال وزير الخارجية هاكان فيدان إن بلاده أوقفت بشكل كامل تعاملاتها التجارية مع إسرائيل، مشددًا على أن أنقرة لم تعد تسمح:

للسفن التركية بالتوجه إلى الموانئ الإسرائيلية.

للطائرات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي التركي.
وأضاف فيدان أن هذه الخطوة “بدأت عمليًا منذ اندلاع الحرب على غزة”، لافتًا إلى أن تركيا “لن تسمح بتمرير أي خطط تستهدف تهجير الفلسطينيين من القطاع”.

التداعيات الاقتصادية المباشرة

رغم أن حجم التأثير لم يتضح بعد بشكل كامل، فإن تقارير إسرائيلية، منها تقرير هيئة البث الإسرائيلية (كان)، حذرت من انعكاسات واسعة على الاقتصاد الإسرائيلي. ومن أبرز التداعيات المتوقعة:

قطاع الطيران: إغلاق الأجواء التركية سيزيد مدة الرحلات المتجهة من إسرائيل إلى دول مثل جورجيا وأذربيجان بنحو ساعتين، ما يعني ارتفاع أسعار التذاكر وتكلفة التشغيل.

الواردات والمواد الخام: يعتمد قطاع البناء في إسرائيل على واردات ضخمة من تركيا، بينها نحو 40% من احتياجاته من الحديد. قطع العلاقات سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتعطيل المشاريع.

طرق بديلة: التقديرات تشير إلى إمكانية استمرار وصول بعض المواد عبر مسارات غير مباشرة، ما يرفع التكلفة والمدة الزمنية.

العلاقات التركية الإسرائيلية

العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل كانت تشهد تبادلات سنوية تقدر بـ 7 مليارات دولار قبل الحرب في غزة. ورغم التوترات السياسية السابقة، ظلت التجارة قائمة حتى العام الماضي، حين بدأت أنقرة تدريجيًا في فرض قيود غير رسمية على حركة الشحن.
مصادر في قطاع الملاحة البحرية كشفت لوكالة رويترز أن السلطات التركية طلبت مؤخرًا من وكلاء الشحن تقديم تعهدات خطية بأن السفن لا ترتبط بإسرائيل ولا تنقل شحنات عسكرية إليها.

رسائل سياسية من تركيا

إلى جانب البعد الاقتصادي، حرصت أنقرة على توجيه رسائل سياسية قوية، إذ شدد وزير الخارجية التركي على أن “إسرائيل تسعى إلى إدخال المنطقة في حالة فوضى”، مؤكدًا معارضة بلاده لأي خطط لإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في غزة.

كما وصف رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش ما يجري في القطاع بأنه “إبادة جماعية وجرائم حرب”، مضيفًا أن “توسيع الاحتلال الإسرائيلي في غزة دليل إضافي على استمرار انتهاكات القانون الدولي”.

الموقف الإسرائيلي

صحيفة جيروزالم بوست نقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن “تركيا سبق أن أعلنت في الماضي خطوات مماثلة، لكن العلاقات الاقتصادية لم تتوقف فعليًا”. غير أن المراقبين يرون أن حدة التصعيد هذه المرة تختلف، بالنظر إلى شمولية القرار الذي طال الطيران والموانئ والشحن البحري، ما يجعل من الصعب الالتفاف عليه بسهولة.

اقرأ أيضًا:

بين الحرب في غزة واجتماع ترامب وكوشنر وبلير.. ما هي ملامح “اليوم التالي”؟

التداعيات الإقليمية والدولية

قرار أنقرة يضع إسرائيل أمام تحديات مزدوجة:

اقتصاديًا: البحث عن بدائل للواردات التركية الحيوية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم وكلفة البناء.

استراتيجيًا: فقدان مسار جوي وبحري مهم، ما يفرض إعادة ترتيب العلاقات مع دول المنطقة، خصوصًا اليونان وقبرص ومصر.

سياسيًا: يمثل الموقف التركي ضغطًا إضافيًا على تل أبيب في ظل تزايد الأصوات الدولية المطالبة بوقف الحرب في غزة وإعادة إحياء مسار حل الدولتين.

خطوة تركيا بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل تتجاوز إطارها الاقتصادي الضيق لتتحول إلى ورقة ضغط سياسية وإستراتيجية في ملف غزة. وبينما تستعد إسرائيل للتعامل مع تداعيات القرار عبر البحث عن بدائل تجارية، يبقى التساؤل الأبرز: هل يمثل هذا التحرك بداية اصطفاف إقليمي جديد يعيد رسم خريطة العلاقات في الشرق الأوسط؟