على الرغم من استمرار جماعة الحوثيين في اليمن في إعلانها عن تنفيذ هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة تجاه إسرائيل، فإن المعطيات على الأرض تشير إلى تراجع ملحوظ في وتيرة هذه الهجمات، لا سيما بعد توقف الحرب التي اندلعت مؤخراً بين إيران وإسرائيل. 

فوفق ما أعلنه الجيش الإسرائيلي، لم تُسجل خلال الفترة الأخيرة سوى حالة واحدة لصاروخ تم اعتراضه، ومسيّرة تم رصدها، الأمر الذي يسلّط الضوء على التناقض الكبير بين الإعلانات الحوثية والواقع العملياتي الفعلي.

ويفسر مراقبون يمنيون هذا التراجع بأنه ناتج عن خشية الجماعة من رد إسرائيلي واسع، يتجاوز في شدته الضربات العشرة السابقة التي طالت بنيتها التحتية ومنشآتها الحيوية. 

ووفق هذه التقديرات، يبدو أن الحوثيين باتوا يميلون إلى تنفيذ هجمات رمزية محدودة، تكفي للحفاظ على سردية دعمهم للفلسطينيين في غزة دون التورط في تصعيد عسكري مدمّر.

الحوثيون… آخر التهديدات الإقليمية لتل أبيب

ومع انشغال إسرائيل والمجتمع الدولي بالجهود المبذولة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة حماس، تبدو جماعة الحوثيين اليوم أخطر تهديد إقليمي نشط لإسرائيل، خاصة بعد النجاح الإسرائيلي في تحييد قوة حزب الله العسكرية مؤقتاً، وإسكات صواريخ الفصائل العراقية، إلى جانب توجيه ضربات موجعة لإيران نفسها خلال المواجهة الأخيرة.

ورغم هذا الواقع، لا تزال الجماعة تؤكد عبر منصاتها الإعلامية أنها لن توقف عملياتها العسكرية ما لم تتوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتُفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية. كما تزعم الجماعة أنها ما تزال فعالة في عرقلة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما تنفيه تقارير إسرائيلية وغربية تشير إلى تقلص أثر هذه العمليات.

الحكومة اليمنية: الهجمات تُلحق الضرر باليمن فقط

في المقابل، ترى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن هذه الهجمات لا تخدم الشعب الفلسطيني كما تزعم الجماعة الحوثية، بل تتسبب في ضربات إسرائيلية مدمّرة تضر بالبنية التحتية اليمنية وبمصالح الشعب اليمني. وتشير الحكومة إلى أن التصعيد الحوثي يستخدم كذريعة من قبل إسرائيل لتنفيذ هجمات جوية وصاروخية تطال المطارات والموانئ ومحطات الكهرباء في مناطق سيطرة الجماعة.

وقد تجلى ذلك في الهجوم الأخير الذي وقع الثلاثاء الماضي، حيث أعلنت إسرائيل اعتراض صاروخ باليستي أطلق من اليمن. وادعت جماعة الحوثي حينها أنها أطلقت صاروخاً وثلاث طائرات مسيّرة، في ما يبدو أنه محاولة واضحة لتضخيم حجم الهجوم إعلامياً. كما زعم زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، في خطبته الأخيرة أن جماعته أطلقت خلال أسبوع واحد عشرة صواريخ ومسيّرات على أهداف إسرائيلية في كل من تل أبيب وبئر السبع وعسقلان وإيلات.

إسرائيل قد ترد بحملة أعنف

رغم تواضع الأثر العسكري لهجمات الحوثيين مقارنة بمئات الصواريخ الإيرانية خلال الحرب الأخيرة، فإن الخبراء لا يستبعدون أن تُقدم إسرائيل على تنفيذ حملة انتقامية واسعة النطاق. وقد يكون هذا الرد أكبر من الضربات العشر السابقة التي ألحقت دماراً كبيراً بمرافق الجماعة، من بينها أرصفة موانئ الحديدة ومطار صنعاء ومصانع أسمنت ومحطات كهرباء.

وقد هدد وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” الجماعة برد عنيف قائلاً: “مصير اليمن هو مصير طهران”، في إشارة مباشرة إلى الضربات الإسرائيلية التي طالت منشآت نووية وصاروخية داخل إيران. وأكد كاتس أن “من يرفع يده ضد إسرائيل ستُقطع”، موضحاً أن إسرائيل ستواصل ضرب الأذرع الإيرانية في المنطقة دون استثناء.

ويُذكر أن الحوثيين استأنفوا هجماتهم على إسرائيل في 17 مارس الماضي بعد انهيار الهدنة في غزة، وأطلقوا قرابة 40 صاروخاً باليستياً ومسيّرات، جرى اعتراض معظمها، باستثناء صاروخ انفجر قرب مطار بن غوريون في تل أبيب في الرابع من مايو الماضي.

وكانت الجماعة قد أطلقت ما يقرب من 200 صاروخ ومسيّرة باتجاه إسرائيل منذ نوفمبر 2023 وحتى يناير 2024، قبل أن تعود لاستئناف الهجمات في مارس بعد الحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجبار الحوثيين على التوقف عن استهداف السفن.

الهجمات تسبب دماراً واسعاً

أدت الهجمات الحوثية إلى شنّ عشر موجات من الضربات الإسرائيلية، شملت قصف أرصفة موانئ الحديدة الثلاثة، تدمير مطار صنعاء، وتدمير أربع طائرات مدنية، إلى جانب استهداف مصانع ومحطات طاقة.

وفي 10 يونيو الماضي، استخدمت إسرائيل سفنها الحربية لأول مرة في قصف أرصفة ميناء الحديدة. وخلال المواجهة مع إيران، يُعتقد أن تل أبيب نفذت محاولة اغتيال في صنعاء استهدفت عبد الكريم الغماري، رئيس أركان جماعة الحوثي، في عملية لا تزال تفاصيلها طي الكتمان.

الإرياني: الحوثي ذراع إيران الأخطر

على وقع هذه التطورات، قال وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، إن جماعة الحوثي تمثل أخطر أذرع إيران في المنطقة، محذراً من تجاهلها في أية جهود دولية تهدف لتقويض نفوذ طهران التخريبي في الشرق الأوسط.

وفي تصريحات رسمية، أكد الإرياني أن الحوثيين يشكلون النموذج الأكثر اكتمالاً لتجربة الحرس الثوري الإيراني خارج حدود إيران، حيث حوّلت الجماعة اليمن إلى منصة لإطلاق الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ نحو دول الجوار، وتهديد الملاحة الدولية وأمن الطاقة العالمي.

وحذّر الوزير اليمني من أن أي مقاربة دولية لا تشمل تفكيك القدرات العسكرية للحوثيين ستمنح إيران موطئ قدم استراتيجي في قلب الجزيرة العربية، ما يمكّنها من استخدام الجماعة كورقة ضغط في أي مفاوضات قادمة، أو كبديل إقليمي جاهز لتنفيذ أجندتها التخريبية.

وأضاف أن استقرار اليمن لم يعد شأناً محلياً فقط، بل أصبح ضرورة إقليمية ودولية، محذراً من أن استمرار سيطرة الحوثيين على مناطق في البلاد يكفل لإيران استمرار لعب دور تخريبي في البحر الأحمر وباب المندب، بالقرب من مصادر الطاقة التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي.

مع تمسّك جماعة الحوثي بسردية “دعم غزة”، وتضخيم عملياتها ضد إسرائيل، تتزايد المؤشرات على أن إسرائيل قد تطلق حملة عسكرية جديدة على اليمن تفوق سابقاتها في الحجم والتدمير، في ظل بيئة إقليمية تتّجه نحو رسم توازنات جديدة، لا يبدو أن الجماعة مستعدة لدفع ثمنها العسكري الكامل.

تابع ايضًا…الرئيس المصري السيسي يؤكد دعم بلاده لوحدة ليبيا وسيادتها