ترامب في 100 يوم وسياسات “أمريكا أولاً” تهزّ العالم، ففي أول مئة يوم من ولايته الثانية، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رؤيته الجذرية على السياسة الخارجية والداخلية، مستخدماً شعار “أمريكا أولاً” لتبرير سلسلة قرارات مثيرة للجدل قلبت موازين التحالفات الدولية وخلقت حالة من عدم الاستقرار الجيوسياسي.
من حروب تجارية إلى تقارب مفاجئ مع روسيا، ومن تهديدات عسكرية إلى إعادة رسم الحدود السياسية، يبدو أن ترامب عازم على تحطيم كل المسلمات التقليدية للدبلوماسية الأمريكية.
ترامي في 100 يوم.. قلب التحالفات من الأعداء إلى الحلفاء والعكس
التقارب مع بوتين ونفور من أوروبا
أبرز تحوّل في السياسة الخارجية الأمريكية وتحركات ترامب في 100 يوم الأولى من لايته الثانية، كان التقارب غير المسبوق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في 12 فبراير/شباط، أنهى ترامب العزلة الغربية المفروضة على بوتين منذ غزو أوكرانيا عام 2022، بإجراء محادثة هاتفية استمرت 90 دقيقة.
لكن هذا التقارب جاء على حساب العلاقات مع أوكرانيا، حيث شن ترامب ونائبه جاي دي فانس هجومًا لاذعًا على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام وسائل الإعلام، متهمينه بـ”استنزاف المساعدات الأمريكية”.
وفي أوروبا، وصف ترامب الاتحاد الأوروبي بأنه “مشروع لاستغلال أمريكا”، وهدد بفرض رسوم جمركية شاملة على الحلفاء، قائلًا: “الأوروبيون انتهازيون، ولن نسمح لهم باستغلالنا بعد الآن”.
إيران: تهديدات عسكرية ومفاوضات غامضة
على الرغم من تصعيد الخطاب المعادي لإيران، بما في ذلك تهديدات بضربات عسكرية، أجرت إدارة ترامب مفاوضات غير مباشرة مع طهران، مما أثار تساؤلات حول استراتيجيته الحقيقية.
قرارات داخلية صادمة: من الكابيتول إلى المناخ
انسحابات وقطع مساعدات
في يوم تنصيبه، وقّع ترامب 26 مرسومًا رئاسيًا، منها:
الخروج من منظمة الصحة العالمية، متهمًا إياها بـ”الفشل في إدارة الأوبئة”.
إلغاء التزامات اتفاقية باريس للمناخ، واصفًا التغير المناخي بـ”الخدعة”.
تخفيضات جذرية في المساعدات الخارجية، خاصة البرامج الداعمة للتنوع والمساواة.
حرب على المهاجرين والجامعات
واصل ترامب في 100 يوم الأولى من ولايته حربه ضد المهاجرين، وأمر بترحيل مهاجرين غير نظاميين إلى سجون بالسلفادور، ووصف عصابات المخدرات المكسيكية بـ”الإرهابيين الأجانب”.
كما شن هجوما على جامعات النخبة مثل هارفارد، بتهمة “التساهل مع معاداة السامية”، وقطع التمويل الفيدرالي عنها. وقال ترامب: “هارفارد تعلّم الكراهية والغباء”.
تصريحات تثير العاصفة
أقوال ترامب في 100 يوم الأولى من ولايته الثانية لا تخلو من الجدل، ما بين ادعاء الحماية الإلهية، وتهكم على الدول الأخرى، فقد قال ترامب إن الله “أنقذه” من محاولة اغتيال في يوليو/تموز 2023 “ليجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، ووصف المفاوضات التجارية بقوله: “دول كثيرة تقبّلت مؤخرتي وتتوسل لتوقيع اتفاق”، كما قال إن السفن الأمريكية يجب أن تمر دون أن تدفع رسوم في قناتي بنما والسويس، مدعيا أن الولايات المتحدة صاحبة الفضل في وجود هاتين القناتين، ما أثار سخرية الكثيرين.
أطماع توسعية لـ ترامب في 100 يوم
“كندا يجب أن تصبح الولاية 51”.
“نحن بحاجة إلى غرينلاند”.
“سنستعيد قناة بنما”.
ترشح لولاية ثالثة بما يخالف الدستور الأمريكي
على الرغم من حظر الدستور الأمريكي ذلك، لمح ترامب إلى نيته الترشح لولاية ثالثة، قائلًا: “هناك طرق لتحقيق هذا”، وكل ذلك خلال تحركات ترامب في 100 يوم الأولى لولايته الثانية.
ومن جانبه، ووصف مارك ليونارد، رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سياسات ترامب بقوله: “لم يعد هناك فرق بين الحرب والسلام، الحلفاء والأعداء، أو حتى بين المصالح الوطنية والمصالح الخاصة”.
مع استمرار الحروب في غزة وأوكرانيا واليمن، وانهيار الثقة بين الحلفاء التقليديين، يبدو أن عهد ترامب الجديد يضع العالم أمام نظام دولي جديد… بلا ضوابط.
ترامب بين الحلم الإمبراطوري والطموح الاقتصادي
“سنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”… شعار رفعه دونالد ترامب على قبعته الشهيرة خلال حملته الانتخابية، ولم يتخلَّ عنه حتى بعد فوزه. اليوم، يبدو أن الرئيس الأمريكي الذي عاد إلى البيت الأبيض مع بداية 2025، ويسعى لتحقيق هذا الشعار ولكن بنكهة اقتصادية جامحة تتجاوز حدود التقليد والاتفاقيات الدولية، وظهرت جليا خلال تصريحات وقرارات ترامب في 100 يوم .
عبور السفن الأمريكية مجانًا عبر السويس وبنما
في خطوة جديدة وتصريح غريب أثار موجة من السخرية والانتقادات، كتب ترامب عبر حسابه على منصة “تروث سوشيال”: “يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية، بالمرور بحرية عبر قناتَي بنما والسويس، فهاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة”.
وأضاف أنه كلّف وزير الخارجية، ماركو روبيو، بمتابعة الأمر، في تصريح وصفه محللون بأنه أقرب إلى الابتزاز الاقتصادي، بل ووصفه آخرون بأنه مظهر من مظاهر “البلطجة الأمريكية” التي تعبّر عن وهم استعادة السيطرة العالمية.
تصعيد الرسوم الجمركية.. والعالم يرد
ولم تتوقف تحركات ترامب عند التغريدات؛ ففي 2 أبريل 2025، فرضت إدارته رسوماً جمركية جديدة على واردات واسعة النطاق من عدة دول، بزعم حماية الصناعات المحلية وتعزيز مبدأ “أمريكا أولًا”.
هذه السياسة أثارت ردود فعل غاضبة من حلفاء واشنطن، ودخل العالم في موجة جديدة من التوترات التجارية، مع تبادل فرض الرسوم الجمركية المضادة، وسط تحذيرات من اشتعال حرب تجارية قد تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي.
“ريفييرا غزة”.. مشروع اقتصادي أم تصفية للقضية؟
في تحول غير متوقع، طرح ترامب في فبراير الماضي مشروع “ريفييرا غزة”، الهادف لتحويل ساحل القطاع إلى منطقة سياحية فاخرة على غرار “الريفييرا الفرنسية”.
المشروع يشمل بناء مرافئ لليخوت وفنادق ومراكز تجارية ضخمة، ويقدّمه ترامب كجزء من خطة “سلام مقابل الرخاء”.
غير أن الانتقادات سرعان ما لاحقته، إذ رأى مراقبون أن المشروع يهدف إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى مسألة اقتصادية بحتة، بعيدًا عن حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية.
إصرار على شراء غرينلاند
ولم يغفل ترامب عن حلمه القديم بضم غرينلاند، حيث عاد مجددًا ليؤكد أن الولايات المتحدة “ستحصل عليها بطريقة أو بأخرى”، مشيرًا إلى أهمية الجزيرة الاستراتيجية في مجالات الدفاع والتعدين.
وأعلن ترامب عبر منصته “تروث سوشيال” استعداد بلاده لاستثمار مليارات الدولارات في غرينلاند، في محاولة لتعزيز الشراكة مع حكومة الجزيرة والإغراء بالفرص الاقتصادية.
ملامح سياسة جديدة.. ولكن مثيرة للجدل
من تغريداته المثيرة إلى مشاريعه الطموحة، يظهر ترامب في 100 يوم الأولى من الولاية الثانية عازمًا على دفع الولايات المتحدة نحو صدارة المشهد الاقتصادي العالمي بأساليب أقل ما توصف به أنها غير تقليدية، مما يضع واشنطن أمام تحديات دولية قد تكون تكلفتها السياسية والاقتصادية باهظة.
اقرأ أيضًا:
المعارضة التركية ترفع سقف التحدي وتطالب بانتخابات مبكرة.. هل يوافق برلمان أردوغان؟
