في تحرّك يعكس طموحًا غير مسبوق للولايات المتحدة في إدارة أزمات الشرق الأوسط بشكل مباشر، أعلن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب عن خطة شاملة لإنهاء الحرب في غزة، تتضمن مقترحًا بإنشاء “مجلس سلام دولي” مؤقت، تتولى رئاسته واشنطن، ويُشرف على مرحلة ما بعد الحرب في القطاع.
ومع أن التصريحات رُوّج لها بوصفها “فرصة للسلام الأبدي”، إلا أن ما بين السطور يشير إلى تطور نوعي: غزة تدخل – للمرة الأولى – دائرة الإشراف الأمريكي المباشر عبر مؤسسة انتقالية.
ترامب وحلم “السلام الأبدي”
اللافت في هذه المرحلة أن ترامب لا يطرح الخطة كرئيس سابق أو زعيم رمزي، بل بصفته الرئيس الأمريكي السابع والأربعين، في ولايته الثانية رسميًا، مما يعطي الخطة وزنًا سياسيًا وتنفيذيًا غير مسبوق، ويحولها من مقترح دبلوماسي إلى مسار سياسي محوري قابل للتنفيذ الفعلي.

خلال ولايته الرئاسية الأولى، انحاز ترامب بوضوح إلى إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع الدعم عن الأونروا. أما في ولايته الثانية، فيبدو أنه يسعى إلى توسيع نفوذ بلاده ليس فقط عبر الانحياز، بل عبر المشاركة المباشرة في إعادة هندسة غزة سياسيًا وأمنيًا.
الخطة التي كشف عنها في مؤتمر بالبيت الأبيض تتكون من 20 بندًا، جميعها تندرج تحت عنوان “مبادئ قابلة للتفاوض”، وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتحرير الرهائن، وبدء عملية سياسية بإشراف المجلس الدولي الجديد، بمشاركة عربية وأوروبية، على أن تُستثنى حماس من أي دور سياسي مباشر في المرحلة الأولى.
هل تنجح واشنطن فيما فشل فيه الجميع؟
ردود الفعل الأولية تشير إلى رفض ضمني من حماس، إذ تعتبر الخطة غامضة، ولا تتضمن انسحابًا إسرائيليًا واضحًا، ولا أي التزام بإعادة الإعمار تحت إشراف فلسطيني. في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبوله المبدئي لمبادئ الخطة، إلا أن أصواتًا من اليمين المتشدد داخل حكومته رفضت بنودًا تتعلق بأي إشراف دولي على غزة، ما يشير إلى صراعات سياسية داخلية قد تعرقل التنفيذ.

ماذا يعني ذلك لـ غزة؟
لو دخلت الخطة حيّز التنفيذ، فسيتم وضع غزة مؤقتًا تحت وصاية “مجلس السلام”، ما يعني تحوّلًا جذريًا في نموذج الحكم والإدارة داخل القطاع. لكن هذه الخطوة، رغم طابعها الدولي، قد تُفهم على أنها شكل من أشكال “الوصاية الأجنبية” المفروضة، وهو ما يرفضه الشارع الفلسطيني تاريخيًا، خاصة إذا لم تكن هناك ضمانات للسيادة وحق التمثيل السياسي المحلي.
تحديات التنفيذ
أكبر عائق أمام الخطة ليس فقط قبول حماس أو رفضها، بل القدرة على فرض ترتيبات أمنية وإدارية متفق عليها في منطقة منهكة ومسلّحة، ومعقّدة سياسيًا. إضافة إلى ذلك، فإن الثقة العربية والفلسطينية في نوايا واشنطن، خاصة بعد سجل ترامب السابق، لا تزال ضعيفة، مما يعني أن نجاح الخطة مشروط بتحقيق اختراقات حقيقية في ملفات الرهائن، والمعابر، والمساعدات، وضمان المشاركة الفلسطينية.
خطة ترامب، بصفته رئيسًا حاليًا، تنقل الصراع في غزة إلى مرحلة جديدة من التدويل والإشراف المباشر. لكنها، في جوهرها، تصطدم بتعقيدات السياسة المحلية والإقليمية، وبسؤال مفتوح: هل يكون هذا الإشراف بداية سلام فعلي، أم فصلًا جديدًا من التجاذبات الدولية على حساب الفلسطينيين؟.
اقرأ أيضا.. ترامب: الرئيس المصري لعب دورًا محوريًا في التوصل إلى خطة السلام