صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وتيرة أزمة تجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ملوّحًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات الأوروبية ابتداءً من الأول من يونيو/حزيران المقبل، بحسب ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال.
ويأتي هذا التصعيد في ظل حالة من الإحباط داخل الفريق الاقتصادي الأميركي، نتيجة ما يصفونه بـ”تباطؤ” الاتحاد الأوروبي – المكوَّن من 27 دولة – في الاستجابة للمطالب الأميركية المتعلقة بالضرائب والتنظيمات التجارية، وكذلك موقفه المتذبذب تجاه الصين.

أزمة تجارية تتمحور بين مطالب أميركية وانتقادات أوروبية
مصادر مطلعة أشارت إلى أن مستشاري ترامب أبلغوا نظراءهم الأوروبيين في محادثات خاصة، استياءهم من “بطء التقدم” في المفاوضات، متهمين بروكسل بالتردد في تقديم عروض ملموسة تتعلق بعدة ملفات حساسة، منها الضرائب على خدمات البث، ورسوم القيمة المضافة، وتنظيمات صناعة السيارات، إضافة إلى الغرامات المفروضة على الشركات الأميركية في قضايا مكافحة الاحتكار.
في المقابل، أكدت المفوضية الأوروبية على لسان المفوض التجاري ماروش شيفتشوفيتش، عقب اتصال هاتفي مع الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير ووزير التجارة هوارد لوتنيك، أن الاتحاد الأوروبي “منخرط بجدية” في المحادثات، لكنه “لن يتردد في الدفاع عن مصالحه”، مشددًا على ضرورة أن تقوم العلاقة التجارية بين الطرفين على “الاحترام المتبادل لا التهديدات”.
الملف الصيني في قلب الخلاف
الخلاف الأميركي الأوروبي يتجاوز القضايا الثنائية، ليشمل أيضًا الموقف من الصين. فبينما تضغط واشنطن على حلفائها لفرض تعريفات على المنتجات الصينية لمواجهة سياسات الدعم الصناعي لبكين، يحاول الاتحاد الأوروبي الموازنة بين هذا التوجه وبين رغبته في الحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا سيما وأن الصين تُعد سوقًا رئيسية للصادرات الأوروبية.
وبحسب الصحيفة، فإن بريطانيا – خارج الاتحاد الأوروبي – وافقت مؤخرًا على تبنّي إجراءات أقرب إلى النهج الأميركي في ملف صناعة الصلب، ما ساهم في تسهيل إبرام اتفاق تجارة مع واشنطن، خلافًا لبروكسل التي اكتفت بإبداء “استعداد مبدئي” لمعالجة بعض الملفات دون التزامات ملموسة.
تهديدات علنية ومفاوضات متعثرة
وفي تصريح علني من المكتب البيضاوي، قال ترامب: “أنا لا أبحث عن صفقة مع أوروبا”، مؤكدًا نيّته المضي قدمًا في فرض الرسوم. وكان قد نشر تهديده صباح الجمعة عبر منصته “تروث سوشيال”، في وقت عبّر فيه مسؤولون أوروبيون عن تفاؤل حذر بإمكانية تحقيق تقدم في المفاوضات.
ورغم تقديم بروكسل مقترحات تشمل تخفيض الرسوم الصناعية وزيادة واردات الطاقة وفول الصويا من الولايات المتحدة، فإن هذه الجهود لم تُسفر عن نتائج ملموسة خلال جولات المحادثات الأخيرة في واشنطن.
قوائم رد أوروبي جاهزة
في حال نفذت واشنطن تهديداتها، يبدو أن أوروبا لن تقف مكتوفة الأيدي. فبحسب الصحيفة، أعد الاتحاد الأوروبي قائمة جديدة بفرض رسوم جمركية محتملة تصل قيمتها إلى 95 مليار يورو (نحو 102 مليار دولار)، وذلك بعد أن كانت قد جمّدت رسومًا سابقة بـ21 مليار يورو على واردات أميركية، ضمن هدنة تفاوضية استمرت 90 يومًا.
نهج تفاوضي متباين
أحد أبرز عوامل الاحتكاك، بحسب المراقبين، هو التباين بين النهج الأميركي “المباشر والصدامي” ونهج المفوضية الأوروبية “المدروس والمتدرج”، حيث تتطلب كل خطوة تفاوضية موافقة جماعية من الدول الأعضاء، ما يؤدي إلى إبطاء وتيرة الاتفاق.
دبلوماسي أوروبي عبّر عن هذا التباين بقوله: “من الصعب بناء سياسة على منشور في تروث سوشيال”، بينما أشار وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسينت إلى أن التهديدات الجمركية تهدف إلى “دفع الأوروبيين نحو التحرك”.
خلاصة القول، فالتهديد الجمركي الأميركي قد يُستخدم كورقة ضغط لتحريك المفاوضات المتعثرة، لكن إذا نُفّذ فعليًا، فسيؤدي إلى تصعيد كبير في العلاقات التجارية بين الطرفين. الاتحاد الأوروبي في موقف دقيق، بين ضغوط واشنطن ومصالحه مع بكين، ويبدو أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدًا من التجاذب، وربما صدامًا اقتصاديًا واسعًا إذا لم تُحرز المفاوضات تقدمًا سريعًا.
اقرأ أيضًا:
البنك الدولي يعلن سداد ديون سوريا… الطريق مفتوح أمام منح دولية لدعم إعادة الإعمار