عاشت الحكومة الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب على غزة حالة من الاضطراب الداخلي، تكشفت خلالها عدة فضائح مدوية أثرت على شرعيتها ومصداقيتها. ففي نوفمبر 2024، أثيرت قضية تسريب وثائق سرية من مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى وسائل إعلام أجنبية، وهو ما أعاق المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى، وأثار اتهامات بتنفيذ مؤامرة سياسية بهدف تشويه صورة الأسرى وتحميلهم مسؤولية الفشل الأمني، بينما نفى نتنياهو أي تورط مباشر لعناصر في مكتبه.
فضائح حكومة نتنياهو خلف كواليس حرب غزة
وانتشرت بعدها أزمة تُعرف بـ”قطرغيت”، والتي كشفت عن وجود علاقات مالية بين بعض مساعدي نتنياهو والممولين من قطر، ما أثار موجة انتقادات ضد أطراف داخل الحكومة بتهم خيانة الأمن القومي. وقد صعدت الاتهامات بتوجيههم أموالًا لتجميل صورة الدولة القطرية، وتدخلت أجهزة التحقيق الإسرائيلية لفتح تحقيق شامل في القضية التي طالت كبار المسؤولين، بينهم إيلي فيلدشتاين، الذي احتُجز للتحقيق في تبادل الأموال وتضارب المصالح.

في مارس 2025، اندلع خلاف صريح بين رئيس الوزراء ورئيس جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) رونين بار، عندما أعلن الأخير عن تسريبه تأكيداً على مطالبة نتنياهو له بالبقاء مواليًا سياسيًا دون استشارة المحكمة العليا، مما حرم الدولة من استقلالية مؤسسة الأمن. وألغت المحكمة العليا قرار إقالته رسمياً بعد أن اعتُرف بأن القرار كان مدفوعًا بمصالح سياسية ضيقة.
إلى جانب ذلك، شهد الإعلام الإسرائيلي حملة رقابة متصاعدة تجاه التغطية الصحفية، حيث بدأ الإعلام الرسمي بفرض قيود صارمة على الوسائل الإعلامية المعارضة أو المنتقدة للحكومة، خاصة في أثناء الحرب، وصدرت تشريعات رسمية تقضي بإغلاق قنوات مثل “الجزيرة”، وخنق ميزانيات صحيفة “هاارتس”، مع القبض على عشرات الصحفيين وفرض القيود على حرية التعبير، مما أثار انتقادات من مؤسسات دولية مثل “مراسلون بلا حدود”.
«تسريبات.. فساد»
كما ظهر ضابط قد واجه استقالة مدوية قبل نهاية يناير 2025، وهو رئيس الأركان الإسرائيلي هرزي هاليفي، الذي أعلن أن إخفاق الجيش في تفادي هجوم 7 أكتوبر سيلاحقه مدى الحياة، مؤكداً تحمله المسؤولية. وقد جاء ذلك بعد تصاعد أزمة الثقة في القيادة العسكرية والسياسية التي فشلت في تحقيق أهداف الحرب، ما أثار استياءً واسعًا داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني.
وتأتي هذه التطورات وسط تصاعد التهم الدولية ضد رئيس الحكومة نفسه لما تعتبره جرائم حرب تشمل استخدام المجاعة كسلاح والقتل الجماعي، خاصة بعد صدور مذكرات اعتقال دولية من المحكمة الجنائية الدولية تطال نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة.
في هذا المناخ المضطرب، يكشف مسلسل الفضائح الحكومية في إسرائيل اتصالًا وثيقًا بالهزات التي عصفت بالمشهد الداخلي منذ بداية المعارك في غزة، مضيفًا إلى ذلك أزمة شرعية عميقة تتناول التسريبات، والتدخل الخارجي، ومحاولة تكميم حرية الإعلام، مما يجعل هذه الحكومة أمام أصعب مراحلها، محفوفة باضطرابات داخلية وتراجع في الثقة المحلية والدولية.