شهدت الساحة الأوكرانية خلال الساعات الماضية تصعيدًا عسكريًا روسيًا واسع النطاق، هو الأضخم منذ بداية الحرب في فبراير 2022، إذ شنت روسيا هجومًا جويًا مكثفًا باستخدام مئات الطائرات المسيّرة وصواريخ دقيقة التوجيه، في ما وصفه مراقبون بأنه رسالة ميدانية حادة إلى أوكرانيا والغرب بأن موسكو لن تقبل المفاوضات تحت التهديد أو الضغوط الاقتصادية.
أضخم هجوم بالطائرات المسيّرة على أوكرانيا منذ بدء الحرب
وأكدت هيئة الأركان الأوكرانية أن الهجوم الروسي الأخير هو الأكبر من حيث عدد المسيّرات المستخدمة منذ اندلاع الحرب، مشيرة إلى أن الدفاعات الجوية الأوكرانية عملت بكثافة لصدّ الهجمات، خصوصًا في سماء العاصمة كييف وشرق البلاد.

وفي هذا السياق، أعلن الجيش الأوكراني عن سقوط مقاتلة F-16 خلال المعركة الجوية، ما أسفر عن مقتل أحد الطيارين، في خسارة وصفها مسؤولون بأنها “رمزية ومؤثرة” نظرًا إلى الدور الكبير لهذه الطائرات في تأمين المجال الجوي.
وقد سُمعت أصوات الانفجارات في مدن خاركيف ودنيبرو، فيما أطلق سلاح الجو الأوكراني تحذيرات عاجلة من احتمال شن ضربات جديدة بمسيّرات هجومية في مناطق متعددة.
تقدم ميداني روسي في دونيتسك
ترافق الهجوم الجوي مع تقدم بري للقوات الروسية في شرق أوكرانيا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية السيطرة على بلدة استراتيجية في مقاطعة دونيتسك، مؤكدة أنها ألحقت بالقوات الأوكرانية خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، بما في ذلك تدمير محطة للحرب الإلكترونية من صنع غربي.
وأكدت الوزارة أن العمليات تأتي ضمن خطة روسية لتعزيز مكاسب ميدانية يمكن البناء عليها لاحقًا في أي مفاوضات محتملة، مضيفة أن الحل السياسي يجب أن يُبنى على توازن قوى، لا على ضغوط أحادية الجانب.
لافروف: الغرب فشل في تحقيق “هزيمة استراتيجية” لروسيا
وفي تصريح لافت، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الولايات المتحدة وحلفاءها باتوا يدركون أن تحقيق “هزيمة استراتيجية” لروسيا غير ممكن، لافتًا إلى أن الحرب دخلت مرحلة غير مسبوقة من التحدي والمواجهة.

وشدد لافروف على أن العقوبات الغربية لم تؤتِ ثمارها، مضيفًا: “نحن منفتحون على مسارات دبلوماسية، لكن بشرط أن تعكس موازين القوى الجديدة، لا أن تكون أدوات لفرض الإملاءات”.
بيسكوف: لا مفاوضات بالقوة أو تحت التهديد
بدوره، أكد دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أن روسيا “لن تُجبر على التفاوض بالقوة”، منتقدًا العقوبات الأوروبية الجديدة، واصفًا إياها بأنها “غير فعالة ولا تغيّر شيئًا من الواقع الميداني”.
وأضاف أن الغرب يراهن على استنزاف روسيا عبر الحرب والعقوبات، لكنه “يفشل في فهم أن هذا النهج يعقد فرص التسوية السياسية ويُطيل أمد الصراع”.
اقرأ أيضًا:
إسرائيل تلمّح لإمكانية تطبيع العلاقات مع سوريا ولبنان وسط تغيّرات إقليمية
نحو مرحلة جديدة من المواجهة
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الصراع في أوكرانيا يتجه نحو مزيد من التعقيد والانغلاق السياسي. ومع تراجع فعالية العقوبات وغياب مؤشرات على اختراق دبلوماسي حقيقي، تبدو الحرب وكأنها دخلت مرحلة باردة بطائرات ساخنة، تتداخل فيها الحسابات العسكرية مع رسائل سياسية استراتيجية.
روسيا تُظهر إصرارًا على فرض شروطها عبر القوة الميدانية، وأوكرانيا تواجه ضغطًا متزايدًا على جبهاتها الدفاعية، فيما يراهن الغرب على الزمن والعقوبات، دون وضوح في المسارات الدبلوماسية الممكنة.

صراع بلا أفق تسوية
بين الهجوم الأوسع منذ بدء الحرب، والتقدم في دونيتسك، وتصلب المواقف الروسية، يبدو أن الحل السياسي ما يزال بعيدًا، وأن الميدان سيبقى الكلمة الفصل في تحديد ملامح المرحلة المقبلة، في واحدة من أخطر أزمات الأمن الأوروبي منذ الحرب الباردة.
في خضم غبار المسيّرات ودوي الصواريخ، ترسم روسيا حدود معادلة جديدة لا مكان فيها للتنازلات المجانية أو التفاوض تحت القصف. أما أوكرانيا، فترزح بين مطرقة التصعيد الروسي وسندان الإرهاق الغربي. وبين سطور هذه المواجهة، تتلاشى لغة الدبلوماسية خلف دخان المعارك، في وقت يترقب فيه العالم لحظة مفصلية: إما انفراجة مفاجئة… أو انفجار أوسع ينذر بعواقب تتجاوز حدود أوكرانيا بكثير.