تعثرت المحادثات بين أفغانستان وباكستان التي تستضيفها تركيا بهدف التوصل إلى هدنة دائمة بين البلدين، بعد ثلاثة أيام من المفاوضات المكثفة التي وُصفت بأنها “الفرصة الأخيرة” لتجنب مواجهة عسكرية جديدة، وفق ما أكدت مصادر أمنية باكستانية الثلاثاء.
ويأتي هذا التعثر بعد اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه قبل عشرة أيام بوساطة قطرية، أعقب مواجهات حدودية دامية أسفرت عن سقوط عشرات القتلى من الجانبين، بينهم مدنيون.

مفاوضات شاقة على مدار ثلاثة أيام
وقال مصدر أمني باكستاني لوكالة فرانس برس إن المحادثات استمرت لأكثر من 18 ساعة يوم الاثنين قبل أن تُستأنف الثلاثاء، مشيراً إلى أن وفد حركة طالبان الأفغانية وافق في البداية على إجراءات حاسمة ضد حركة طالبان الباكستانية (TTP)، التي تتهمها إسلام آباد بتنفيذ هجمات داخل أراضيها انطلاقاً من أفغانستان.
لكن المصدر أوضح أن الوفد غيّر موقفه عدة مرات بعد تلقيه أوامر من كابول، ما أدى إلى فشل المحادثات في التوصل إلى اتفاق نهائي، مضيفاً: “على الرغم من تعنت طالبان، بُذلت جهود أخيرة لحل القضية عبر الحوار، ومن المقرر إطلاق جولة نهائية من المحادثات قريباً”.
طالبان: المطالب الباكستانية “غير منطقية”
من جانبها، لم تُعلق الحكومة الأفغانية رسمياً على هذه التطورات، إلا أن وسائل إعلام أفغانية نقلت عن عدد من مسؤولي طالبان وصفهم المطالب الباكستانية بأنها “غير منطقية وغير مقبولة”.
وأكد هؤلاء المسؤولون أن الحوار لا يزال الخيار الأمثل لتسوية الخلافات بين الجارتين، مشيرين إلى أن “أي تصعيد عسكري لن يخدم استقرار المنطقة”.

حرب تحذيرات متبادلة بين كابول وإسلام آباد
في المقابل، تصاعدت نبرة التهديدات بين البلدين خلال الأيام الأخيرة، حيث حذر المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية عبد المتين قاني من أن أي هجوم باكستاني سيقابل بـ”رد حاسم يكون بمثابة درس لباكستان ورسالة للآخرين”.
وقال قاني في تصريح لوكالة أريانا الأفغانية: “لا نملك أسلحة نووية، لكننا واجهنا حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة لعشرين عاماً دون أن يتمكنوا من إخضاع أفغانستان”.
من جهته، حذر وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف السبت الماضي من أن فشل المفاوضات الحالية قد يؤدي إلى “حرب مفتوحة”، داعياً المجتمع الدولي إلى الضغط على كابول لوقف دعم المجموعات المسلحة التي تستهدف الأراضي الباكستانية.
وساطة دولية ومحاولات أميركية لاحتواء الأزمة
وخلال قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في العاصمة الماليزية كوالالمبور، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه قادر على وضع حد سريع للمواجهة بين كابول وإسلام آباد، مشيراً إلى أن واشنطن “تتابع الموقف عن كثب بالتنسيق مع الحلفاء الإقليميين”.
ويرى مراقبون أن تزايد التوترات الحدودية بين البلدين يهدد بإشعال جبهة جديدة في جنوب آسيا، ويعقّد الجهود الدولية الساعية لاستقرار المنطقة التي لا تزال تتعافى من آثار الحرب في أفغانستان.

النزاع من الانفجارات إلى الإغلاق الحدودي
بدأت الأزمة الأخيرة قبل أسبوعين، عندما شنّت حكومة طالبان هجوماً حدودياً ضد مواقع باكستانية، بعد سلسلة تفجيرات وقعت في كابول واتهمت الحكومة الأفغانية إسلام آباد بالضلوع فيها.
اقرأ أيضًا:
نيويورك تايمز: ترامب يُقيد تحركات نتنياهو وواشنطن تعيد رسم ملامح العلاقة مع إسرائيل
ومنذ ذلك الحين، أغلقت الحدود المشتركة بين البلدين بشكل كامل، مع السماح فقط بعبور المهاجرين الأفغان الذين تم طردهم أو أُجبروا على مغادرة الأراضي الباكستانية.
وتقول السلطات الباكستانية إنها تواجه تصاعداً في هجمات حركة طالبان انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، مطالبة كابول باتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه المجموعات.
لكن الحكومة الأفغانية تنفي دعمها لأي فصائل مسلحة، مؤكدة أنها تسعى إلى الحفاظ على “سلامة الأراضي الأفغانية” ومنع استخدامها ضد أي دولة مجاورة.
مع فشل جولات الحوار المتكررة، تزداد المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق على الحدود بين البلدين، خاصة في ظل تراكم الخلافات الأمنية والسياسية، وغياب الثقة المتبادلة.
ويؤكد مراقبون أن “المحاولة الأخيرة” في تركيا ستكون حاسمة، إذ قد تفتح الباب أمام اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، أو تعيد المنطقة إلى دوامة جديدة من الصراع المسلح وعدم الاستقرار.
