أعلن الفاتيكان اليوم عن وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد أسابيع قضاها في المستشفى يصارع عدوى تنفسية حادة تطورت لاحقًا إلى التهاب رئوي مزدوج في كلتا الرئتين.
وفي تقرير مفصل، استعرض موقع ديلي ميل، التاريخ الصحي للبابا فرنسيس، بدءًا من المشكلات الرئوية التي عانى منها في شبابه، والتي جعلته أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات تنفسية في الكبر – مرورًا بالصعوبات النفسية التي واجهها خلال سنوات الحكم الديكتاتوري في بلده الأم، وانتهاءً بالحالات الصحية المزمنة التي أدت إلى اعتماده على الكرسي المتحرك والعصا في سنواته الأخيرة.

اقرأ أيضًا
دونالد ترامب يلوح بتجميد جهود السلام بين روسيا و أوكرانيا
تفاصيل معاناة البابا فرنسيس مع الالتهاب الرئوي
وُلد البابا فرنسيس، وُاسمه الحقيقي خورخي ماريو بيرغوليو، في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام 1936. وقد كان أول بابا من أمريكا اللاتينية يتولى هذا المنصب البابوي الرفيع.
اشتهر فرنسيس بمواقفه الليبرالية نسبيًا في عدد من القضايا التي أثارت إعجابًا وجدلاً في آنٍ واحد، مثل موقفه المتسامح تجاه المطلقين، وسماحه للكهنة بمباركة الأزواج من نفس الجنس في ظروف معينة، إلى جانب وضعه لقضية حماية البيئة في صميم عمله البابوي. وفي عام 2023، صرح بأنه يمكن تعميد المتحولين جنسيًا بشرط ألا يتسبب ذلك بـ”فضيحة أو ارتباك”.
لكن في المقابل، ظل ثابتًا على مواقفه الرافضة للإجهاض. فقد وصف في وثيقة وقّعها ونُشرت من قبل الفاتيكان العام الماضي، أن الإجهاض يُعد “أزمة أخلاقية خطيرة للغاية”.
مشاكل الرئة في سن الشباب
في سن الحادية والعشرين، أُصيب البابا فرنسيس بعدوى رئوية حادة أدت إلى التهاب في غشاء الجنبة، وهو النسيج الرقيق الذي يفصل الرئتين عن جدار الصدر الداخلي. هذه الحالة، المعروفة باسم التهاب الجنبة، تسبب ألمًا حادًا في الصدر يزداد مع التنفس، بالإضافة إلى صعوبة واضحة في التنفس.
رغم أن أسباب هذه الحالة متعددة، إلا أنها غالبًا ما تنجم عن عدوى فيروسية أو بكتيرية أو فطرية. حينها خضع فرنسيس لعملية جراحية طارئة أُزيل خلالها جزء من إحدى رئتيه.
وعلى الرغم من أنه استطاع بعد ذلك أن يعيش حياة نشطة، إلا أن سعة رئتيه المحدودة جعلته أكثر عرضة للعدوى التنفسية في سن الشيخوخة.
سلسلة من الأمراض والمضاعفات
في عام 2023، واجه البابا عدة نوبات مرضية مرتبطة بالجهاز التنفسي. فقد نُقل إلى المستشفى في مارس بعد معاناته من صعوبات تنفسية. كما عانى في فترة سابقة من التهاب العصب الوركي، الذي يمتد من أسفل الظهر إلى القدمين، ما تسبب له بآلام مزمنة.
وقد تسببت إحدى هذه النوبات في تغيبه عن قداسي ليلة رأس السنة ورأس السنة الجديدة في ديسمبر 2020، وهي المرة الأولى التي يتغيب فيها عن مناسبة دينية مهمة بسبب مشكلة صحية.
في عام 2022، سقط البابا أرضًا مما تسبب له بكسر صغير في الركبة ناتج عن التهاب في أحد الأربطة. ورغم أن الجراحة كانت خيارًا مطروحًا، فقد رفضها متعللًا بتجربة سلبية سابقة مع التخدير بعد عملية القولون التي خضع لها في 2021.
بدلاً من الجراحة، اختار اللجوء إلى العلاجات غير الجراحية مثل الحقن والعلاج بالليزر والمغناطيس.
في تعليق طريف، أجاب البابا ذات مرة مازحًا عن آلام ركبته قائلًا إن ما يحتاجه حقًا هو “بعض التكيلا” لتسكين الألم.
بسبب هذه المشكلات الحركية، ألغى البابا رحلاته المقررة إلى لبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان. ومع تدهور وضعه الصحي، بدأ يعتمد بشكل متزايد على العصا، ثم الكرسي المتحرك. وقد لاحظ المراقبون في ذلك الوقت زيادة ملحوظة في محيط خصره، في مؤشر على قلة الحركة وتراجع النشاط البدني.
سقوط متكرر وكدمات واضحة
تعرض البابا فرنسيس في الأشهر السابقة لوفاته إلى سلسلة من السقطات. ففي إحدى هذه الحوادث في ديسمبر من العام الماضي، سقط واصطدم ذقنه بطاولة مجاورة لسريره، ما أدى إلى ظهور كدمة كبيرة على وجهه.
وفي حادثة أخرى في يناير من العام ذاته، سقط مجددًا، مما تسبب في إصابة ذراعه اليمنى، وظهر لاحقًا وهو يرتدي حمالة، رغم تأكيد الفاتيكان أن ذلك كان إجراءً احترازيًا.
المرض الأخير: من التهاب الشعب إلى فشل كلوي
بدأت المحنة الصحية الأخيرة للبابا في 14 فبراير، عندما أُدخل إلى مستشفى جيميلي في روما مصابًا بالتهاب شعبي مصحوب بحمى خفيفة. تبيّن لاحقًا أن العدوى متعددة الميكروبات، أي أنها ناتجة عن أكثر من نوع من البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات.
بحلول 18 فبراير، شُخّص البابا بالتهاب رئوي مزدوج مهدد للحياة. ثم في 21 فبراير، أعلن الطاقم الطبي إصابته بداء السكري الناتج عن استخدام الستيرويدات خلال العلاج. وفي اليوم التالي، تم وضعه على جهاز تنفس صناعي للمساعدة في إنقاذ حياته.
لاحقًا، ظهرت عليه مؤشرات أولية لفشل كلوي، إلا أن التقارير الطبية آنذاك أفادت بأنه في طريقه للتعافي بحلول 26 فبراير. لكن حالته شهدت عدة نكسات، حيث تعرض لنوبات تنفسية متكررة خلال الأسبوع التالي، استدعت تدخلاً طبيًا لإزالة المخاط من مجاريه التنفسية باستخدام أدوات خاصة.
بحلول 10 مارس، أكد الأطباء أن البابا لم يعد في حالة خطيرة بسبب الالتهاب الرئوي، وتم الإعلان عن إمكانية مواصلة تعافيه في الفاتيكان ابتداءً من 23 مارس، بعد أن أمضى 38 يومًا في المستشفى.
الظهور الأخير والوفاة المفاجئة
رغم التعب الظاهر عليه، واصل البابا أداء واجباته الرسمية حتى وفاته. ففي يوم الأحد الماضي فقط، استقبل آلاف المؤمنين الكاثوليك الذين احتشدوا في ساحة القديس بطرس بمناسبة عيد الفصح، وألقى دعاء “المدينة والعالم” من الشرفة المطلة على الساحة، ثم توجه إلى الكاتدرائية حيث التقى بنائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، الذي كان يزور روما مع عائلته. وبحسب الفاتيكان، كان اللقاء مقتضبًا واستمر لبضع دقائق فقط.
صباح اليوم، أعلن الفاتيكان رسميًا وفاة البابا فرنسيس. وقال الكاردينال كيفن فيريل، رئيس أساقفة الفاتيكان: “في الساعة 7:35 صباحًا، عاد أسقف روما، فرنسيس، إلى بيت أبيه السماوي. لقد كرّس حياته كلها لخدمة الرب وكنيسته”.
الالتهاب الرئوي: القاتل الصامت
رغم عدم إعلان الفاتيكان عن السبب المباشر للوفاة، إلا أن الالتهاب الرئوي يبقى أحد أكثر الأسباب شيوعًا للوفاة بين كبار السن، خاصة في حال وجود أمراض مزمنة مرافقة.
عادةً ما يبدأ الالتهاب الرئوي بعدوى فيروسية تُضعف أنسجة الرئة، مما يُفسح المجال للبكتيريا لاختراق الدفاعات الطبيعية للجسم والتسبب في عدوى ثانوية أشد خطورة.
تمتلئ الأكياس الهوائية في الرئتين بالسوائل والبلغم، مما يعيق تدفق الأوكسجين إلى مجرى الدم ويُربك وظائف الأعضاء. عندما يصل الأمر إلى هذا الحد، يمكن أن يؤدي الالتهاب الرئوي إلى الوفاة اختناقًا، بصمت، كما حدث في حالة البابا فرنسيس.