تتجه الأنظار إلى مدينة إسطنبول التركية، حيث تستأنف اليوم السبت المحادثات بين باكستان وأفغانستان في محاولة جديدة لاحتواء التوتر المتصاعد بين البلدين ووضع حد للاشتباكات الحدودية التي خلفت عشرات القتلى خلال الأسابيع الماضية، وسط تحذيرات من انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة إذا فشلت المفاوضات.
تحذير باكستاني من “حرب مفتوحة”
قال وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، في تصريحات صحفية، إنه يعتقد أن أفغانستان “تسعى فعلاً إلى السلام”، لكنه حذر من أن فشل المحادثات الجارية في إسطنبول “سيعني حرباً مفتوحة” بين الجانبين.

وأكد آصف أن بلاده ترغب في التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وضبط الأوضاع على الحدود المشتركة، إلا أن استمرار الهجمات عبر الحدود “سيُعد خرقاً مباشراً لأي تفاهم يتم التوصل إليه”.
اشتباكات حدودية غير مسبوقة بين باكستان وأفغانستان
وتأتي هذه المحادثات بعد اشتباكات دامية اندلعت قبل أسبوعين على طول الحدود الممتدة لأكثر من 2600 كيلومتر، والتي شهدت أعنف مواجهات منذ استيلاء طالبان على السلطة في كابول عام 2021.
واتهمت حكومة طالبان باكستان بالوقوف وراء تفجيرات شهدتها العاصمة كابول مؤخراً، لتشن هجوماً انتقامياً على مواقع حدودية، فيما ردت إسلام آباد بعمليات وُصفت بأنها “ضربات دقيقة” استهدفت مجموعات مسلحة داخل الأراضي الأفغانية، بحسب مصادر أمنية.
هدنة هشة بوساطة قطرية
وبعد أيام من التصعيد، تمكنت الدوحة من التوسط بين الجانبين لتوقيع هدنة مؤقتة نهاية الأسبوع الماضي، غير أن تفاصيل الاتفاق لا تزال غير واضحة.
وتنص الهدنة – بحسب مسؤولين باكستانيين – على وقف فوري لإطلاق النار، ومنع أي توغلات عسكرية عبر الحدود، إلى حين استكمال المفاوضات في تركيا لوضع آلية دائمة لمراقبة وتنفيذ الاتفاق.
اتفاق مكتوب برعاية تركية وقطرية
وكشف وزير الدفاع الباكستاني أن اتفاقاً مكتوباً تم توقيعه بمشاركة باكستان وأفغانستان وتركيا وقطر، ينص بوضوح على أنه “لن يكون هناك أي توغلات أو انتهاكات للحدود”.
وأوضح آصف أن بلاده ملتزمة بالكامل ببنود الاتفاق طالما لم يحدث أي خرق، قائلاً: “لدينا اتفاقية لوقف إطلاق النار طالما لم يتم انتهاكها. أي هجوم يأتي من داخل أفغانستان سيكون انتهاكاً مباشراً لها.”

اتهامات متبادلة
من جانبها، نفت حكومة طالبان الاتهامات الباكستانية بشأن إيواء مجموعات مسلحة تنفذ عمليات ضد الجيش الباكستاني، واتهمت إسلام آباد في المقابل بنشر “معلومات مضللة” وبالتواطؤ مع مجموعات متشددة مرتبطة بتنظيم “داعش” لتقويض استقرار أفغانستان، وهي اتهامات تنفيها إسلام آباد بشدة.
وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة طالبان، إن المحادثات التي جرت مؤخراً في الدوحة أسفرت عن تفاهم واضح يقضي بعدم قيام أي من البلدين بأعمال عدائية ضد الآخر أو دعم جماعات معادية، مؤكداً أن هذا المبدأ “يعكس موقف طالبان الثابت بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة أخرى”.
اقرأ أيضًا:
تحول مفاجئ في استراتيجية ترامب للأمن القومي| أمريكا اللاتينية على حساب الصين وروسيا
رهان إقليمي على نجاح محادثات إسطنبول
ويرى مراقبون أن محادثات إسطنبول تمثل اختباراً حقيقياً للعلاقات الباكستانية الأفغانية، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لضبط الأوضاع على الحدود التي تشكل ممراً حساساً لحركة الجماعات المسلحة وتجارة المخدرات والأسلحة.

ويؤكد محللون أن تركيا وقطر تسعيان إلى ترسيخ دورهما كوسطاء موثوقين في قضايا الأمن الإقليمي، خصوصاً بعد نجاحهما النسبي في تقريب وجهات النظر خلال مفاوضات الدوحة الأخيرة.
ومع دخول الطرفين جولة إسطنبول الجديدة، يبقى التساؤل الأهم: هل تنجح الجهود الدبلوماسية في إرساء وقف دائم لإطلاق النار؟، فبين رغبة معلنة في السلام وتحذيرات من “حرب مفتوحة”، يبدو مستقبل العلاقة بين كابول وإسلام آباد مرهوناً بمدى قدرة الطرفين على ترجمة التعهدات المكتوبة إلى واقع ميداني مستقر يطوي صفحة التصعيد ويؤسس لشراكة أمنية حقيقية.
