في مشهد اعتبره خبراء ومراقبون “غير مسبوق” في تاريخ المؤسسة العسكرية الأميركية، ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطابًا أمام مئات القادة العسكريين في قاعدة كوانتيكو بولاية فيرجينيا، مؤكدًا أنه أعاد بناء الجيش الأميركي ورفع جاهزيته إلى مستوى غير مسبوق، وتضمن الخطاب إشارات إلى إطلاق مقاتلة من الجيل السادس، وتأكيدًا على تفوق الولايات المتحدة على روسيا والصين، إلى جانب استعراض ملامح استراتيجية دفاعية جديدة أثارت جدلاً واسعًا داخل البنتاغون.
ترامب: “أعدت بناء الجيش الأميركي”
استهل ترامب كلمته بالتأكيد على أن إدارته أعادت بناء الجيش الأميركي بشكل كامل، قائلاً: “لقد أعدت بناء الجيش الأميركي… نحن نتفوق على روسيا والصين في قدرات الغواصات، ونستعد لإطلاق مقاتلة الجيل السادس.”

وأشار إلى أنهى ثماني حروب خلال ولايته، واصفًا هذه الخطوة بأنها “سلام حقيقي”، منتقدًا في الوقت نفسه حرمانه من جائزة نوبل للسلام.
مواقف ترامب من الصراعات الدولية
تطرق الرئيس الأميركي إلى عدد من الملفات الساخنة:
بشأن الحرب في أوكرانيا، أكد أن بلاده ستواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “بقوة” لإنهاء الصراع.
في ما يتعلق بـ غزة والشرق الأوسط، عبّر عن تفاؤله بإمكانية تحقيق السلام، مشيرًا إلى أن سياساته أنهت “فوضى السنوات الماضية”.
وزير الدفاع: إنهاء “هراء أيديولوجي”
من جانبه، صعّد وزير الدفاع بيت هيغسيث لهجته، مؤكدًا أن الجيش الأميركي عانى عقودًا من “التدهور”، بسبب التركيز على قضايا مثل التغير المناخي والترقيات على أساس العرق أو الجنس، واصفًا ذلك بـ”الهراء الأيديولوجي”.

وأضاف هيغسيث: سيتم تخفيف القواعد التأديبية داخل الجيش، وسيُعاد التركيز على مواجهة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة، وتعزيز الاستعداد لمواجهة محتملة مع الصين في ملف تايوان.
جدل داخل البنتاغون حول الاستراتيجية
أثارت “وثيقة الاستراتيجية” التي صاغها فريق من المقربين من ترامب قلقًا متصاعدًا داخل البنتاغون، حيث اعتبر قادة عسكريون أن الخطة تمثل تحولًا جذريًا في أولويات وزارة الدفاع:
التركيز على “حماية الوطن” بدل الالتزامات التقليدية في أوروبا وأفريقيا.
تضييق المواجهة الاستراتيجية مع الصين.
لهجة سياسية واضحة في الوثيقة تتضمن انتقادات مباشرة لإدارة جو بايدن، وهو أمر غير مألوف في وثائق الدفاع الأميركية.
الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، كان من أبرز المعترضين، محذرًا من أن تقليص الدور الأميركي الخارجي قد يضعف الردع العسكري الذي شكّل أساس الأمن القومي لعقود.

اجتماع “كوانتيكو”.. حدث غير مسبوق
الاجتماع أثارحالة جدل واسعة، حيث استُدعي مئات الجنرالات والأدميرالات من مواقع عملياتية حول العالم، ووصفه مؤرخون بأنه “غير مسبوق” من حيث الحجم والطبيعة، واعتبر أعضاء في الكونغرس أن الاجتماع باهظ التكاليف ويمثل “مخاطرة أمنية غير مبررة”، خصوصًا في ظل شعار الإدارة بمكافحة الهدر المالي.
الانقسام داخل البنتاغون لم يقتصر على الرؤية الاستراتيجية، بل شمل أيضًا تغييرات تنظيمية:
خطط لخفض أعداد الجنرالات بنسبة 20%.
إعفاء شخصيات بارزة تولت مناصب في عهد بايدن، مثل الجنرال تشارلز براون والأدميرال ليزا فرنشيتي.
إعفاء عدد غير متناسب من النساء، مما غذّى الانطباع بأن القرارات ذات طابع سياسي.
اقرأ أيضًا:
تفاصيل خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة.. 20 بنداً لإعادة الإعمار ونزع السلاح وإطلاق الرهائن
ما وراء الاستراتيجية: أميركا أولًا
يؤكد فريق ترامب أن الاستراتيجية تعكس شعاره الشهير “أميركا أولًا”، وتركز على “السلام من خلال القوة”. ويرى داعمو الخطة أنها ستلقى صدى لدى قاعدته السياسية، من خلال:
استخدام الجيش لدعم سياسات الأمن الداخلي.
نشر القوات على الحدود الجنوبية.
تعزيز دور الحرس الوطني في المدن الأميركية.
لكن منتقدي الخطة يحذرون من أن الانسحاب من الالتزامات الدولية قد يفتح الباب أمام تمدد روسيا والصين ويضعف شبكة التحالفات الأميركية التي بُنيت على مدار عقود.

يبقى اجتماع “كوانتيكو” نقطة مفصلية في العلاقة بين البيت الأبيض والبنتاغون. وبينما يرى ترامب وفريقه أن الاستراتيجية الجديدة تمثل إعادة تركيز للجيش على حماية الأراضي الأميركية، يخشى قادة عسكريون أن تؤدي هذه التحولات إلى تسييس الجيش وإضعاف استقلاليته.
الأسئلة المطروحة الآن تتجاوز الوثيقة ذاتها، لتطرح تساؤلات أوسع حول مستقبل السياسة الدفاعية الأميركية: هل يتجه الجيش ليصبح أداة مباشرة في خدمة أجندة سياسية داخلية، أم يتمسك بدوره التقليدي كركيزة مستقلة للأمن القومي العالمي؟