لم تكد الحكومة الفرنسية الجديدة ترى النور حتى انهارت في ظرف أقل من 24 ساعة، ما أثار موجة من القلق داخل فرنسا وفي عواصم الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في التكتل، وسط أجواء من الغموض السياسي وتراجع الثقة في الاستقرار الداخلي لباريس.
ففي خطوة صادمة، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو استقالته بعد 14 ساعة فقط من إعلان حكومته، ليفتح الباب أمام أزمة دستورية حادة أربكت الأسواق المالية وأقلقت الدوائر الأوروبية.
وبحسب تقارير “فرانس برس” و”رويترز”، فقد هبط مؤشر CAC 40 بنسبة 1.4%، كما تراجع اليورو أمام الدولار، مما يعكس رد فعل الأسواق على اضطراب القيادة في باريس.
ماكرون يضع فرنسا في مأزق
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يواجه أصعب لحظات حكمه منذ انتخابه عام 2017، أعاد تكليف لوكورنو مجددًا بإجراء مشاورات مع الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة، في وقت تتزايد فيه دعوات المعارضة لحل البرلمان أو حتى استقالة الرئيس.
وفيما تبدو خيارات ماكرون محدودة، تزداد الضغوط السياسية والاقتصادية مع عجز الحكومة عن تمرير موازنة 2026، واستمرار العجز المالي الذي أثار قلق المستثمرين والاتحاد الأوروبي على حد سواء.
رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب وصف الوضع الراهن بأنه “لعبة سياسية مقلقة”، داعيًا الرئيس إلى انتخابات رئاسية مبكرة بمجرد إقرار الموازنة، وهي دعوة تعكس تصاعد التململ من أداء الرئاسة في أوساط النخبة السياسية الفرنسية.
فرنسا تتراجع اقتصاديًا وقلق أوروبي متصاعد
وفي بروكسل، عبّر عدد من المسؤولين والدبلوماسيين الأوروبيين عن قلقهم العميق من ضعف القيادة الفرنسية، خاصة في ملفات دولية شائكة مثل الحرب في أوكرانيا والوضع في غزة.
وأكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد أن فرنسا ليست بحاجة حاليًا لتدخل صندوق النقد الدولي، لكنها شددت في الوقت نفسه على أن سقوط الحكومات في منطقة اليورو يمثل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاقتصادي.
وتُعد فرنسا، باعتبارها قوة نووية وعضوًا دائمًا في مجلس الأمن، ركيزة أساسية في المعادلة الأوروبية، إلى جانب ألمانيا، وهو ما يجعل أي اضطراب سياسي داخلي فيها مصدر قلق مباشر للعواصم الأوروبية.
فرنسا تشتعل داخليًا
من جانبه، استغل حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان الأزمة الحالية للدعوة مجددًا إلى انتخابات تشريعية مبكرة، مستفيدًا من شعبيته المتزايدة التي تتراوح حاليًا بين 30 إلى 32% وفقًا لاستطلاعات 2024.
كما أشار تقرير لصحيفة بوليتيكو إلى أن بعض الدبلوماسيين في أوروبا بدأوا “كتابة نعي سياسي” لماكرون، الذي كان يُنظر إليه عام 2017 كرمز للتجديد السياسي وكاسرًا لقواعد السياسة التقليدية في فرنسا.
فرنسا والمستقبل الضبابي
ويؤكد خبراء أن استمرار الأزمة السياسية في فرنسا قد يؤدي إلى شهور إضافية من الشلل السياسي، ويُضعف من قدرة باريس على القيام بدورها المحوري داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصًا في ملفات الدفاع والسياسة الخارجية.
وقال جريجوار روس، مدير برنامج أوروبا وروسيا في مركز “تشاتام هاوس” بلندن، إن صورة فرنسا كمركز جذب للاستثمار تتآكل بسرعة، مضيفًا: “لا أرى أي مستثمر دولي كبير يختار فرنسا في ظل هذا الغموض السياسي والمالي المطلق”.
وفي ظل غياب حل واضح، تبقى فرنسا أمام مفترق طرق حاسم، قد يعيد تشكيل خريطة القوى السياسية في الداخل، ويعيد أيضًا حسابات بروكسل حول التوازن القائم بين باريس وبرلين داخل الاتحاد الأوروبي.
اقرأ أيضا.. في الذكرى الثانية لـ حرب غزة.. الشارع الإسباني يهتف: لا سلاح لقاتل الأطفال