في ظل تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في إسرائيل، أظهرت بيانات حديثة أن خدمة جنود الاحتياط خلال حرب غزة تركت آثارًا عميقة على العلاقات الأسرية، خاصة بين الزوجات اللواتي يعانين من تبعات غياب أزواجهن المتكرر وطول فترات خدمتهم. كشف تقرير خاص أصدره المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل، أن نحو نصف زوجات جنود الاحتياط أقررن بتضرر علاقتهن الزوجية بشكل مباشر بسبب الخدمة خلال فترة الحرب، مما يسلط الضوء على الأعباء النفسية والاجتماعية التي تتحملها العائلات في ظل الصراعات المستمرة.
خدمة الاحتياط تقتحم الأسر الإسرائيلية
وفقًا للتقرير، بلغت نسبة الزوجات اللواتي أقررن أن العلاقة الزوجية تضررت حوالي 50%، في حين أشار 34% منهن إلى أن هذا الضرر دفعهن للتفكير في الانفصال أو الطلاق، ما يعكس حجم الضغط النفسي والاجتماعي الذي يرافق حالة الحرب وعدم الاستقرار. وتتضح هذه المعاناة بشكل أكبر مع زيادة مدة أيام خدمة الجنود في الاحتياط، حيث تزداد معدلات الإضرار بالعلاقات الزوجية بشكل ملحوظ، الأمر الذي يؤكد تأثير الغياب الطويل والمتكرر على تماسك الأسر.
تتعدى هذه البيانات حدود المعاناة الشخصية لتلامس جانبًا أعمق من الأزمة الاجتماعية والسياسية في إسرائيل. ففي الوقت الذي يخوض فيه جنود الاحتياط حربًا على الجبهات، تشهد داخل إسرائيل موجة احتجاجات متصاعدة، يقودها بشكل بارز أمهات الجنود اللواتي يعبرن عن قلقهن وخوفهن على أبنائهن ورفضهن للسياسات التي ترهق الجيش والأسر على حد سواء. هذه الأمهات، اللواتي غالبًا ما يمثلن صوتًا حقيقيًا من قلب المعاناة، نظمّ احتجاجات متكررة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، معبرات عن رفضهن للاستمرار في سياسة التجنيد الطويلة والمعاناة التي تسببها.
علاقات زوجية على حافة الانهيار
تجسد هذه الاحتجاجات المطلب المتزايد في المجتمع الإسرائيلي لتخفيف الضغوط على جنود الاحتياط وأسرهم، بالإضافة إلى الدعوة لإيجاد حلول سياسية تحقق الاستقرار الأمني والاجتماعي معًا. فقد بات من الواضح أن استمرار الحروب وارتفاع وتيرة الاستدعاءات للخدمة يؤثران بشكل سلبي ليس فقط على الجنود أنفسهم، بل على النسيج الاجتماعي والعائلي الذي يُعد ركيزة أساسية للمجتمع.
من جانبها، تشير البيانات إلى تأثير نفسي عميق على الأطفال في الأسر التي يعاني فيها الزوج من غياب طويل بسبب الخدمة العسكرية، مما يزيد من تعقيد الوضع العائلي ويعزز الحاجة لتوفير دعم نفسي واجتماعي لهؤلاء الأسر. ولعل هذا الجانب يضيف بعدًا جديدًا إلى الحوار الوطني حول الحرب والاحتياط، حيث تبرز الحاجة إلى سياسات أكثر شمولية تأخذ في الاعتبار ليس فقط الجوانب الأمنية، بل أيضًا الأبعاد الاجتماعية والنفسية.

في الوقت الذي يواجه فيه المجتمع الإسرائيلي تحديات أمنية معقدة، تعكس هذه الأرقام والاحتجاجات صورة واضحة للضغوط الهائلة التي يتعرض لها الجيش وأسر الجنود على حد سواء. فبينما يحارب الجنود في الخطوط الأمامية، تخوض أمهاتهم وزوجاتهم معارك أخرى من نوع مختلف داخل المنازل والشوارع، مطالبات بصوت عالٍ بوضع حد لمعاناة الأسر وبحث حلول مستدامة توازن بين متطلبات الأمن واستقرار الحياة الاجتماعية.
تؤكد هذه التطورات، أن الأزمة ليست فقط على الجبهات العسكرية، بل تمتد إلى داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث يتعين على القيادات السياسية والعسكرية الاستجابة لهذه المعاناة من خلال سياسات تراعي التوازن بين الواجب الوطني والحفاظ على نسيج الأسرة والمجتمع. فبدون هذا التوازن، ستظل التداعيات الاجتماعية والنفسية تشكل تحديًا كبيرًا يعوق الاستقرار الداخلي ويؤثر على مستقبل البلاد بشكل عام.