كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الخلافات المتصاعدة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقيادة الجيش الإسرائيلي، باتت تشكل أحد أبرز ملامح الأزمة السياسية والعسكرية في إسرائيل، في ظل خطط الحكومة اليمينية المتطرفة لاحتلال مدينة غزة بالكامل.

خطة توسع عسكري تقابلها تحفظات من الجيش
وبحسب الصحيفة، فقد وافق المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي، مؤخرًا على خطة تقضي باجتياح مدينة غزة، آخر المراكز الحضرية غير الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، والسيطرة على نحو 10% إضافية من مساحة القطاع، مما يدفع سكان المدينة إلى التكدس في 15% فقط من مساحة غزة.
وترى الصحيفة أن هذه الخطة تعتبر أكثر خطورة ودموية مقارنة بخيار طرحه رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، والذي يقترح تطويق المدينة وتنفيذ ضربات من محيطها بدلًا من احتلالها الكامل، لتقليل الخسائر العسكرية والمدنية.
زامير يعارض.. ونتنياهو يتجاهل
وأكدت الصحيفة نقلًا عن مصادر عسكرية وسياسية، أن خيار زامير يتطلب أقل من نصف عدد الفرق العسكرية اللازمة للاحتلال الكامل، وهو ما رفضه نتنياهو لصالح خطة أكثر عدوانية.
وتشير المعلومات إلى أن الغزو البري لن يبدأ قبل سبتمبر المقبل، بعد تنفيذ خطة إجلاء لمليون فلسطيني، رغم محدودية المناطق التي يمكن إيواؤهم فيها.
صراع النفوذ بين الجيش والحكومة
رغم أن الموافقة على خطة نتنياهو خيّبت آمال اليمين المتطرف، إلا أنها أبرزت دور المؤسسة الأمنية في كبح جماح الحكومة السياسية، وقال نيمرود نوفيك، مستشار سابق لرئيس الوزراء الراحل شيمون بيريز، إن “المؤسسة الأمنية أجبرت نتنياهو على تقليص نطاق الخطة”، معتبرًا أن تجاهل الجيش سيكون سابقة تاريخية.
أزمة الرهائن والكلفة الإنسانية للحرب
وبينما يقدر عدد الرهائن الإسرائيليين الأحياء في غزة بـ نحو 20 شخصًا بعد 22 شهرًا من الحرب، ارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين إلى أكثر من 61 ألفًا، فيما يواجه القطاع حصارًا خانقًا فاقم الأوضاع الإنسانية، خاصة بعد منع دخول المساعدات منذ مارس الماضي.
ضغوط واتهامات داخلية
في الأيام الأخيرة، تصاعدت التسريبات الإعلامية التي تكشف عن ضغوط حكومية على زامير لدفعه نحو شن عملية شاملة لاحتلال غزة، إلى جانب انتقادات علنية من مسؤولين يمينيين.
واتهم يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء، رئيس الأركان بمحاولة تنفيذ “انقلاب عسكري” بأسلوب “جمهوريات الموز”، فيما طالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، زامير بالامتثال الكامل لأوامر الحكومة.
قادة سابقون يدعون لإنهاء الحرب
ردًا على التصعيد، ظهر أكثر من 12 قائدًا سابقًا في الجيش والمخابرات والشرطة في فيديو مشترك دعوا فيه نتنياهو إلى إنهاء الحرب، بينما نشر الجيش خطابًا داخليًا لزامير أكد فيه على أن “ثقافة النقاش” هي جزء من إرث المؤسسة العسكرية، وأن الجيش سيواصل إبداء موقفه “بلا خوف”.
اقرأ أيضًا:
إدارة ترامب لم تنظر بجدية في خيار إسقاط المساعدات على غزة رغم المجاعة المتفاقمة
نتنياهو يدافع عن قراره: لسنا جيشًا له دولة
ودافع نتنياهو عن قراره باجتياح مدينة غزة قائلاً: “نحن دولة لها جيش، ولسنا جيشًا له دولة”، مضيفًا أن الخطة العسكرية التي اقترحها الجيش تعني “حرب استنزاف طويلة لا تنهي الصراع”.
وبحسب مستشار في ديوان رئيس الوزراء، فإن نتنياهو اختار زامير لرئاسة الأركان أملاً في أن يتبنى نهجًا أكثر عدوانية تجاه غزة، لكنه اصطدم بـ”ثقافة جنرالات المؤسسة الأمنية”، التي دفعته لتبني مواقف أكثر تحفظًا.
مخاوف من انعكاسات دولية وقيود أوروبية
وأعرب مسؤولون عسكريون عن قلقهم من التداعيات الدولية لاستمرار الحرب، خاصة بعد إعلان ألمانيا وقف تصدير معدات عسكرية يمكن استخدامها في غزة، مثل محركات دبابات ميركافا.
ونقل مسؤول عسكري إسرائيلي سابق أن الجيش قد يلتزم رسميًا بقرارات الحكومة، لكنه سيحافظ على “حرية مناورة كبيرة” في كيفية تنفيذ العمليات، ما يعني إمكانية الحد من تطبيق أوامر ميدانية قد تراها القيادة العسكرية غير قابلة للتنفيذ أو خطيرة.