تواجه مدينة غزة، أكبر مدن قطاع غزة وأكثرها كثافة سكانية، خطر عملية عسكرية واسعة النطاق بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطة جديدة تهدف إلى تفكيك آخر معاقل حركة حماس في المدينة والمخيمات الوسطى، مع إنشاء ممرات ومناطق آمنة للسماح للمدنيين بالمغادرة.
لكن خبراء عسكريين يرون أن خطة نتنياهو ستضع الجيش الإسرائيلي أمام واقع صعب ومكلف، في ظل التعقيدات الميدانية والكثافة السكانية الهائلة.

مدينة مكتظة بالنازحين ومحدودة الموارد
قبل الحرب، كان عدد سكان مدينة غزة يقدر بأكثر من 760 ألف نسمة، وفق الإحصاءات الرسمية الفلسطينية، من أصل نحو 2.4 مليون نسمة يعيشون في القطاع. ومع استمرار الحرب منذ أكثر من 22 شهراً، تدفق عشرات الآلاف من النازحين إلى المدينة هرباً من الضربات الإسرائيلية، ما ضاعف من أزمتها الإنسانية.
اليوم، تكتظ الشوارع والساحات بخيام النازحين وأماكن الإيواء المؤقتة التي غالباً ما تُقام فوق أنقاض المباني المدمرة بفعل الغارات الجوية.
التحدي الإنساني قبل العسكري
الجنرال الإسرائيلي السابق عمير عفيفي، رئيس “المنتدى الإسرائيلي للدفاع والأمن”، وصف مدينة غزة بأنها “حصن” و”قلب سلطة حماس”، محذراً من أن التحدي الأكبر لإسرائيل سيكون إنسانياً. وأوضح أن خطة نتنياهو – وفق المعلومات المتاحة – تنص على توجيه أوامر بإخلاء المدينة قبل بدء العملية.
وأشار عفيفي إلى أن نحو 300 ألف مدني ما زالوا في المدينة منذ اندلاع الحرب، بخلاف مناطق أخرى في القطاع نزح معظم سكانها عدة مرات، لافتاً إلى أن محاولات إسرائيل السابقة لدفع المدنيين جنوباً فشلت في تخفيف الاكتظاظ، حيث امتلأت المناطق التي حددتها تل أبيب كمناطق “إنسانية”.
أزمة إنسانية و”مصيدة للموت”
من جانبه، حذر الضابط السابق في الاستخبارات الإسرائيلية ميكايل ميلشتاين من أن إرسال مليون شخص إضافي جنوباً سيؤدي إلى “أزمة إنسانية مروعة”. وأشار إلى أن توزيع المساعدات يتم أساساً في الجنوب، في مناطق تستعد “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل لزيادة عدد مراكزها من 4 إلى 16، لكن هذه المواقع تتعرض يومياً لهجمات تؤدي إلى مقتل مدنيين، ما دفع هيومن رايتس ووتش لوصفها بأنها “مصيدة للموت”.
كما نددت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية بـ”عسكرة المساعدات الإنسانية” ورفضت التعامل مع هذه المؤسسة.
اقرأ أيضًا:
العراق على مفترق طرق.. السوداني يطلق معركة حصر السلاح وسط انقسام داخلي وضغوط خارجية
حماس تستعد لـ”معركة ستالينغراد”
يتوقع ميلشتاين أن تضم مدينة غزة ما بين 10 آلاف و15 ألف مقاتل من كتائب القسام، الذراع العسكرية لحماس، بينهم عناصر جُندوا حديثاً. وأوضح أن المدينة لا تزال مركزاً سياسياً وعسكرياً للحركة منذ سيطرتها على القطاع عام 2007، وتضم شبكة من الناشطين والمؤسسات التابعة لها.
وأضاف أن حماس تستعد لمعركة شرسة قد تشبه معركة “ستالينغراد” التاريخية، متوقعاً أن يواجه الجيش الإسرائيلي شبكة أنفاق واسعة، ومستودعات أسلحة، ومخابئ يُعتقد أن بعض الرهائن المحتجزين منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ما زالوا فيها.
انقسام داخل القيادة الإسرائيلية بين نتنياهو وقياداته
أشار ميلشتاين إلى أن رئيس هيئة الأركان إيال زامير يعارض خطة نتنياهو بسبب كلفتها البشرية العالية. من جانبها، قالت مايراف زوزين من مجموعة الأزمات الدولية إنه من شبه المستحيل تنفيذ العملية دون التسبب في مقتل رهائن وحدوث كارثة إنسانية كبرى، مضيفة: “سيدمرون كل شيء، وبعدها لن يبقى شيء”.

ورغم ذلك، أكد زامير مساء الاثنين أن الجيش “سيعرف كيف يسيطر على مدينة غزة، كما فعل سابقاً في خان يونس ورفح”، مضيفاً أن القوات الإسرائيلية “عملت في هذه المناطق من قبل وستعرف كيف تفعل ذلك مرة أخرى”.