في الـ17 من مايو 2025، يُطفئ عادل إمام شمعته الـ85، محتفظًا بلقب لا يُنازعه فيه أحد: “الزعيم”. لم يكن مجرد نجم عادي، بل ظاهرة فنية نادرة، لا تتكرر إلا كل ألف عام، كما يصفه جمهوره الممتد من المحيط إلى الخليج.
ولد عادل إمام عام 1940 في قرية شها بمحافظة الدقهلية شمال مصر، قبل أن ينتقل إلى أحياء القاهرة الشعبية، حيث تفتحت مداركه على الحياة، واختزن في ذاكرته حكايات البسطاء، ليصبح لاحقًا صوتهم على الشاشة.

عادل إمام من “الشقاوة” إلى النجومية
في طفولته، امتزجت خفة دمه بقدرة لافتة على التقليد، ورغم أن موهبته لم تكن مفهومة آنذاك، إلا أنها سرعان ما ظهرت للعيان على مسرح المدرسة. ثم جاءت كلية الزراعة لتكون بوابة حقيقية نحو المسرح الجامعي، ومنه إلى مسرح التلفزيون.
وكانت الإنطلاقة الكبرى حين اختاره أستاذ الكوميديا فؤاد المهندس ليشاركه بطولة مسرحية “أنا وهو وهي”، في شخصية “دسوقي أفندي”، التي ما إن ظهر بها حتى دوّى الضحك في أرجاء المسرح، مُعلناً ولادة نجم استثنائي في عمر لم يتجاوز 23 عامًا.
ظاهرة فنية فريدة على 57 عامًا
على مدار أكثر من 6 عقود، لم يكن عادل إمام مجرد ممثل، بل كان مرآةً للمجتمع، يقرأه بذكاء نادر. من شخصية الموظف المطحون في “الإرهاب والكباب”، إلى المثقف المهزوم في “طيور الظلام”، والمهمش في “المنسي”، ظل يقدم كوميديا بطعم الواقع، ممزوجة بوعي سياسي واجتماعي، لا يخلو من جرأة.
تجاوزت أعماله السينمائية 250 فيلمًا، ورسّخ مكانته على خشبة المسرح بعروض خالدة مثل “شاهد ما شفش حاجة”، “الواد سيد الشغال”، و”مدرسة المشاغبين”. وفي التلفزيون، قدّم أعمالًا درامية لا تُنسى، منها “دموع في عيون وقحة”، و”صاحب السعادة”.
رحلة نضال فني لم تبعده عن أسرته
لم تكن مسيرته سهلة، بل محفوفة بالتحديات. فقد خاض مواجهات مع الرقابة والمحاكم، بسبب تناوله لقضايا شائكة تمس التطرف والدين والسياسة، لكنه ظل وفيًا لرؤيته، لا يهادن ولا ينافق، مؤمنًا أن الفن مسؤولية قبل أن يكون شهرة.
ورغم أضواء الشهرة، لم يغب “الزعيم” عن دوره كأب وزوج. تزوّج من السيدة نهلة الشلقاني، وأنجب منها رامي، محمد، وسارة، وظل يصفها بأنها “الداعم الأول”، ويعتبر أحفاده “أجمل ما في حياته”.
“صاحب السعادة”.. حتى في الغياب
منذ عام 2020، ومع آخر أعماله “فالنتينو”، بدأ عادل إمام يبتعد تدريجيًا عن الأضواء، مفضلاً قضاء وقته وسط عائلته، مكتفيًا بما قدمه، وهو كثير. ورغم غيابه، يظل حضوره طاغيًا، تذكره الشاشة كلما احتاج الناس إلى ضحكة صادقة أو وقفة واعية.
في السنوات الأخيرة، تكررت الشائعات حول وفاته، ما أثار غضب عائلته ومحبيه. لكن شقيقه المنتج عصام إمام، وكذلك نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي، أكدا في أكثر من مناسبة أن “الزعيم زي الفل”، مطالبين باحترام خصوصيته.
85 عامًا من العمر، منها ما يزيد على نصف قرن في خدمة الفن والوعي والإنسان. عادل إمام ليس مجرد فنان، بل هو مؤسسة قائمة بذاتها، وزمن فني كامل، ضحكنا معه، وتأملنا من خلاله، وواجهنا الواقع بمرآته.
في عيد ميلاده الـ85، لا نحتفل فقط بإنسان، بل بأسطورة حيّة.. زعيم حقيقي للفن، سيظل مكانه محفوظًا في قلوب الملايين، مهما غاب أو ابتعد.
اقرأ أيضًا:
الدراما العربية تتجدد خارج رمضان.. زخم إنتاجي وتنوّع لافت في الموضوعات والنجوم