في قلب أوروبا، وتحديدًا على ضفاف بحر البلطيق، تقف لاتفيا اليوم شاهدة على مفارقة ديموغرافية فريدة: بلد تهيمن عليه النساء، لكن يغيب عنه الرجال. مشهدٌ حقيقي أقرب إلى الخيال، حيث تكتظ الشوارع والمقاهي والجامعات بالنساء، جميلات، متعلمات، مستقلات… لكنهن يعشن معاناة صامتة: الوحدة.
رحلة البحث عن رجل في لاتيفا
في “مملكة النساء”، كما باتت تُلقب، لا يبدو الزواج مجرد خيار مؤجل، بل أمنية بعيدة المنال، مع اختلال حاد في التوازن السكاني بين الجنسين. فوفق أحدث إحصاءات عام 2025، تشكل النساء في لاتفيا نحو 53.7% من السكان، بينما لا يتجاوز الرجال 46%، أي أنه مقابل كل 100 امرأة، لا يوجد سوى 86 رجلًا. ورغم أن الزواج الأحادي هو المعترف به قانونًا، فإن الواقع يدفع بعض النساء إلى اقتراحات رمزية كتشريع تعدد الزوجات، تعبيرًا عن قلة الخيارات، لا رغبة في التعدد.
هذه الفجوة لم تنشأ من فراغ. فللتاريخ كلمته. الحرب العالمية الثانية كانت لحظة فاصلة في مصير لاتفيا، إذ فقدت البلاد آلاف الرجال في ساحات المعارك أو ضحايا التهجير والإعدام. وتشير السجلات إلى أن نحو 100–150 ألف جندي لاتفني لقوا حتفهم، فضلًا عن المجازر التي طالت المدنيين، خاصة من الأقلية اليهودية.
- حسناوات لاتفيا
انخفاض متوسط عمر الرجال
أما من نجا من الحرب، فغالبًا لم ينجُ من نتائجها. انخفاض متوسط عمر الرجال في لاتفيا إلى 69–70 عامًا، مقابل 79–80 عامًا للنساء، ساهم في اتساع الهوة. ويعود ذلك إلى أسباب صحية واجتماعية، منها ارتفاع معدلات الوفاة المبكرة بسبب أمراض القلب، والإدمان على الكحول، والحوادث – وهي من بين الأعلى في أوروبا.
كيف خلّفت الحروب مجتمعًا نسائيًا منسيًا؟!
ومع مرور الوقت، تحوّلت التركيبة السكانية إلى مشهد اجتماعي متكرر: نساء شابات وكبيرات في السن، متعلمات وطموحات، لكن بلا شريك. وفي بلد لم يتجاوز عدد سكانه 1.85 مليون نسمة، فإن الندرة الحقيقية باتت في الرجال، لا في الفرص أو الطموحات.
- حسناوات لاتفيا يبحثن عن الرجال
بعض التقارير الإعلامية الغربية وصفت لاتفيا بأنها “جنة العزاب”، بينما تصفها النساء اللاتفيات بأنها “سجن الوحدة الجميلة”. فالحياة لا تُختصر في الجمال والتعليم، حين يغيب الشريك والدعم والمستقبل الأسري.
- نساء أوروبا يبحثن عن الرجال
ورغم أن المجتمع اللاتفي بات أكثر انفتاحًا واستقلالية، فإن رغبة المرأة في تكوين أسرة ما زالت ثابتة، تتحدى الظروف الديموغرافية والمعايير الاجتماعية. وبينما تستمر الحياة، تتردد في أروقة المدن والبلدات الصغيرة أمنية واحدة: “نبحث فقط عن رجل… في مملكة النساء.”