منذ فجر التاريخ، سعت البشرية جاهداة للتغلب على الأمراض والآلام التي فتكت به وهددت بقاءه.
ولم تكن هذه الرحلة سهلة، بل كانت تتسم بالتجربة والخطأ، وبالاكتشافات العرضية، وبالاعتماد على الملاحظة الدقيقة للطبيعة المحيطة.
فقبل ظهور الكيمياء الحديثة والصيدلة بمعناها المعروف اليوم، كانت الشعوب القديمة تستمد معارفها العلاجية من مصادر بدائية، لكنها فعالة في سياقها التاريخي.
رحلة البشرية نحو الشفاء
لقد بدأت هذه الرحلة بالبحث في النباتات، الأعشاب، المعادن، وحتى الأجزاء الحيوانية، عن مواد تمتلك خصائص شفائية. وسجلت الحضارات القديمة، كالمصرية والصينية والهندية واليونانية، مئات الوصفات الطبية التي توارثتها الأجيال، والتي شكلت حجر الزاوية لما نعرفه اليوم بالطب البديل أو التقليدي.
هذه المعارف، وإن بدت بسيطة بمعايير العصر الحديث، إلا أنها مثلت قفزات نوعية في فهم الإنسان لأمراضه وقدرته على مواجهتها.
ولم تكن هذه الأدوية مجرد مواد تُعطى للمريض؛ بل كانت جزءاً لا يتجزأ من منظومة علاجية شاملة تشمل الطقوس، والمعتقدات، والتغذية، وحتى الجراحة البدائية.
إن استعراض أقدم عشرة أدوية تم اختراعها في التاريخ يُعد بمثابة نافذة على عبقرية الإنسان القديم وصبره ومثابرته في البحث عن الشفاء، وتذكير بأن جذور الطب الحديث تمتد عميقاً في عصور ما قبل التاريخ، حيث كانت الطبيعة هي الصيدلية الأولى، والتجربة هي المعلم الأول.
رحلة البشرية للشفاء: أقدم 10 أدوية تم اختراعها في التاريخ
إليك قائمة بأقدم 10 أدوية تم استخدامها أو “اختراعها” في تاريخ البشرية، مع الأخذ في الاعتبار أن مفهوم “الاختراع” هنا يشمل الاكتشاف والاستخدام المنهجي:
الأفيون (Opium): يُعد الأفيون، المستخرج من نبات الخشخاش، من أقدم المواد الطبية المعروفة. تُشير الأدلة الأثرية إلى استخدامه في سومر قبل 6000 عام، حيث كان يُعرف بـ “نبات الفرح”.
واستخدم كمسكن قوي للألم، ومنوم، ولعلاج الإسهال والسعال. استمر استخدامه على نطاق واسع في الحضارات المصرية، اليونانية، الرومانية، والعربية.
الصفصاف (Willow Bark – مصدر الأسبرين): استُخدم لحاء الصفصاف منذ آلاف السنين كمسكن للألم ومضاد للالتهابات ومخفض للحرارة.
وتُشير السجلات المصرية القديمة واليونانية (مثل هيبوقراط) إلى استخدامه لعلاج الحمى والألم. يحتوي لحاء الصفصاف على الساليسين، وهو مركب يُعد سلف حمض أسيتيل الساليسيليك (الأسبرين).
الثوم (Garlic): تم استخدام الثوم لأغراض طبية وغذائية لأكثر من 5000 عام. وثق المصريون القدماء استخدامه في البرديات لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك الديدان، مشاكل الجهاز الهضمي، ومشاكل الجهاز التنفسي.
وعرفت الحضارات الرومانية واليونانية والصينية والهندية خصائصه المضادة للبكتيريا والفطريات والمناعية.
الصبار (Aloe Vera): يُعرف الصبار بخصائصه العلاجية للبشرة منذ آلاف السنين. استخدمه المصريون القدماء (منذ حوالي 3500 عام) في مستحضرات التجميل ولعلاج الحروق والجروح والالتهابات الجلدية.
كما استخدم في الطب الصيني والهندي التقليدي لمشاكل الجهاز الهضمي.
اقرأ أيضًا:
بالصدفة.. اكتشاف مومياء عمرها 1000 عام في ليما
الميرمية (Sage): تُعد الميرمية عشبة طبية قديمة تُستخدم منذ العصور الرومانية واليونانية لأغراض طبية مختلفة. اسمها العلمي “Salvia” مشتق من الكلمة اللاتينية “salvere” والتي تعني “أن يشفي”.
واستخدمت لعلاج مشاكل الجهاز الهضمي، الالتهابات، وتحسين الذاكرة، وكمطهر للحلق.
عرق السوس (Licorice): تُشير الأدلة إلى استخدام عرق السوس في الطب المصري القديم والطب الصيني التقليدي قبل أكثر من 4000 عام.
وعُثر عليه في مقبرة توت عنخ آمون. استخدم لعلاج مشاكل الجهاز الهضمي، السعال، والتهاب الحلق، وله خصائص مضادة للالتهابات.
الخردل (Mustard): استُخدم الخردل كغذاء ودواء منذ آلاف السنين. وثق الفراعنة في مصر القديمة استخداماته الطبية. استخدم كطارد للبلغم، ومحفز للدورة الدموية عند وضعه ككمادات، وكمُحسن للهضم.
القرفة (Cinnamon): تُستخدم القرفة كنوع من التوابل ودواء منذ آلاف السنين، لا سيما في مصر القديمة والصين. استخدمها المصريون لأغراض التحنيط ولعلاج مشاكل الجهاز الهضمي.
وتُعرف بخصائصها المضادة للميكروبات والالتهابات، وقدرتها على تنظيم مستويات السكر في الدم.
اليانسون (Anise): عُرف اليانسون واستخدم في الحضارات القديمة مثل المصرية والرومانية واليونانية لأغراض طبية. استخدم كطارد للغازات، مُهدئ للمغص، ومُحسن للهضم.
كما كان يُعتقد أن له خصائص لزيادة إدرار الحليب لدى الأمهات المرضعات.
الأفسنتين (Wormwood): على الرغم من شهرته الحديثة كمكون في مشروب الأفسنتين، إلا أن الأفسنتين استخدم لأغراض طبية في مصر القديمة واليونان منذ آلاف السنين.
واستخدم كطارد للديدان المعوية، ومُعالج لمشاكل الجهاز الهضمي، وكمُحفز للشهية.
