رحل زياد الرحباني، صباح السبت، عن عمر ناهز 69 عامًا بعد صراع طويل مع المرض في أحد مستشفيات بيروت. برحيله، لا يفقد لبنان فنانًا وحسب، بل يغيب صوتٌ كان مرآةً صادقة لوجع الناس، وحالةً استثنائية جمعت بين الموسيقى والمسرح والسياسة والفكر.
زياد الرحباني.. ابن الأسطورة وصانع مساره الخاص
وُلد زياد في 1 يناير 1956 في بيتٍ هو مركز الفن العربي الحديث: والده الموسيقار عاصي الرحباني، ووالدته فيروز، أيقونة الغناء العربي. لكن زياد، منذ بداياته، رفض أن يبقى مجرد “ابن الرحابنة”. في السابعة عشرة من عمره، لحّن أغنية “سألوني الناس” لوالدته إبان مرض والده، في ولادة صاخبة لمسيرةٍ اختارت التمرّد بدل البقاء في ظل الأسطورة.

اختار أن يرسم مساره بعيدًا عن الأطر التقليدية، ليصبح رائدًا في المسرح السياسي والموسيقى التجريبية، ناسجًا أسلوبًا يمزج بين الجاز والمقام الشرقي، وبين النغمة والصرخة.
مسرح غاضب… وفن يفضح الواقع
منذ مسرحيته الأولى “سهرية” (1973)، وحتى أعماله الأشهر مثل “بالنسبة لبكرا شو؟”، “نزل السرور”، و”فيلم أميركي طويل”، قدّم زياد مسرحًا صادمًا، ساخرًا، يواجه السلطة والطائفية والفساد. مسرحه لم يكن مجرد ترفيه، بل منصة نقد سياسي واجتماعي، حيث تتحول الموسيقى إلى أداة سرد، والحوار إلى مرآة تعكس تناقضات المجتمع اللبناني.
لغته الشعبية العميقة جعلته قريبًا من الناس، فيما عبثيته السوداء منحت أعماله بعدًا إنسانيًا يتجاوز الضحك نحو الأسئلة الوجودية.
موسيقيّ مجدّد وصوت للأغلبية الصامتة
في الموسيقى، قدّم ألحانًا خالدة لفيروز مثل “كيفك إنت”، “البوسطة”، و”صباح ومسا”، وأصدر ألبومات شكلت محطات فارقة مثل “أنا مش كافر” و”إلى عاصي”. موسيقاه كسرت القوالب السائدة بمزج الجاز مع الروح الشرقية، فبات واحدًا من أبرز المجددين في المشهد العربي.
اقرأ أيضًا:
فيلم The Fantastic Four يحقق انطلاقة قياسية بـ23 مليون دولار في شباك التذاكر الأمريكي
أما في الحياة، فكان زياد قريبًا من الناس أكثر من صالونات النخبة. حمل هموم الفقراء والمهمشين، وواجه الادّعاء والسلطة بلا مساومة، ولو كلّفه ذلك خسائر فنية وشخصية.
صدمة الوداع ورسائل الرثاء
مع إعلان وفاته، عمّت حالة من الصدمة الأوساط الثقافية والفنية. كتب الرئيس اللبناني جوزيف عون على منصة “إكس”: “زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان ضميرًا حيًا وصوتًا متمرّدًا على الظلم، ومرآة صادقة.”
أما رئيس الوزراء نواف سلام فقال: “بغياب زياد، يفقد لبنان فنانًا استثنائيًا ظل وفيًا لقيم العدالة والكرامة، وقال عبر المسرح والموسيقى ما لم يجرؤ كثيرون على قوله.”
وكتب وزير الثقافة غسان سلامة: “كنا نخشى هذا اليوم مع تفاقم مرضه. رحل رحبانيّ مبدع، وسنبكيه فيما نردد ألحانه التي لن تموت.”
إرث لا يزول
برحيل زياد الرحباني، يطوى فصل كامل من تاريخ الفن العربي الحديث. لكنه، بجرأته وصدقه وإبداعه، ترك إرثًا سيبقى حاضرًا في ذاكرة الناس، كلما ترددت ألحانه أو عادت جملة مسرحية من أعماله لتصف وجعًا لم يندمل.